للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عُتْبَةَ بْنُ هَمَّامٍ وَعِنْدَهُ أَيْضًا: فَجَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ فَأَخْبَرَهُ، فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ، وَعِنْدَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهُوَ جَالِسٌ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا خُبَيْبُ، قَتَلَتْهُ قُرَيْشٌ.

قَوْلُهُ: (مَا إِنْ أُبَالِي)، هَكَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: فَلَسْتُ أُبَالِي وَهُوَ أَوَزْنُ، وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ، لَكِنَّهُ مَخْرُومٌ، وَيَكْمُلُ بِزِيَادَةِ الْفَاءِ، وَمَا نَافِيَةٌ وَإِنْ بَعْدَهَا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ نَافِيَةٌ أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَا إِنْ أُبَالِي بِزِيَادَةِ وَاوٍ، وَلِغَيْرِهِ: وَلَسْتُ أُبَالِي.

وَقَوْلُهُ: وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ يأتي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ)، الْأَوْصَالُ جَمْعُ وَصْلٍ وَهُوَ الْعُضْوُ، وَالشِّلْوُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْجَسَدُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْعُضْوِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْجَسَدُ، وَالْمُمَزَّعُ بِالزَّايِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ: الْمُقَطَّعُ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَعْضَاءُ جَسَدٍ يُقَطَّعُ. وَعِنْدَ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ زِيَادَةٌ فِي هَذَا الشِّعْرِ:

لَقَدْ أَجْمَعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلَّبُوا … قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمَعُوا كُلَّ مَجْمَعِ

وَفِيهِ:

إِلَى اللَّهِ أَشْكُو غُرْبَتِي بَعْدَ كُرْبَتِي … وَمَا أَرْصَدَ الْأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي

وَسَاقَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَيْتًا، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُهَا لِخُبَيْبٍ:

قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ)، سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ: فَلَمَّا وَضَعُوا فِيهِ السِّلَاحَ وَهُوَ مَصْلُوبٌ نَادَوْهُ وَنَاشَدُوهُ: أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ الْعَظِيمِ، مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْدِيَنِي بِشَوْكَةٍ فِي قَدَمِهِ.

قَوْلُهُ: (وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لَيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمُ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ)، لَعَلَّ الْعَظِيمَ الْمَذْكُورَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَإِنَّ عَاصِمًا قَتَلَهُ صَبْرًا بِأَمْرِ النَّبِيِّ بَعْدَ أَنِ انْصَرَفُوا مِنَ بَدْرٍ. وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ عَاصِمًا لَمَّا قُتِلَ أَرَادَتْ هُذَيْلٌ أَخْذَ رَأْسِهِ لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ، وَهِيَ أُمُّ مُسَافِعٍ، وَجُلَاسٍ ابْنَيْ طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيِّ، وَكَانَ عَاصِمًا قَتَلَهُمَا يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَتْ نَذَرَتْ لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ فِي قَحْفِهِ، فَمَنَعَتْهُ الدَّبْرُ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ لَمْ تَشْعُرْ بِمَا جَرَى لِهُذَيْلٍ مِنْ مَنْعِ الدَّبْرِ لَهَا مِنْ أَخْذِ رَأْسِ عَاصِمٍ، فَأَرْسَلَتْ مَنْ يَأْخُذُهُ، أَوْ عَرَفُوا بِذَلِكَ وَرَجَوْا أَنْ تَكُونَ الدَّبْرُ تَرَكَتْهُ فَيَمَكَّنُوا مِنْ أَخْذِهِ.

قَوْلُهُ: (مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ) الظُّلَّةُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ السَّحَابَةُ، وَالدَّبْرُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الزَّنَابِيرُ، وَقِيلَ: ذُكُورُ النَّحْلِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ. وَقَوْلُهُ: فَحَمَتْهُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ، أَيْ: مَنَعَتْهُ مِنْهُمْ.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ: فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعُوا مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ: فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّبْرُ تَطِيرُ فِي وُجُوهِهِمْ وَتَلْدَغُهُمْ، فَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُهُ: يَحْفَظُ اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا حَفِظَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْأَسِيرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ الْأَمَانِ، وَلَا يُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَوْ قُتِلَ، أَنَفَةً مِنْ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ كَافِرٍ، وَهَذَا إِذَا أَرَادَ الْأَخْذَ بِالشِّدَّةِ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَخْذَ بِالرُّخْصَةِ لَهُ أَنْ يَسْتَأْمِنَ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَكْرَهُ ذَلِكَ. وَفِيهِ الْوَفَاءُ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْعَهْدِ، وَالتَّوَرُّعُ عَنْ قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ، وَالتَّلَطُّفُ بِمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ، وَإِثْبَاتُ كَرَامَةِ الْأَوْلِيَاءِ، وَالدُّعَاءُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالتَّعْمِيمِ، وَالصَّلَاةُ عِنْدَ الْقَتْلِ، وَفِيهِ إِنْشَاءُ الشِّعْرِ وَإِنْشَادُهُ عِنْدَ الْقَتْلِ وَدَلَالَةٌ عَلَى