أَيْ لَانَ وَرَطِبَ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ الْخَمِيرُ.
قَوْلُهُ: (وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الْأَثَافِيِّ) بِمُثَلَّثَةٍ وَفَاءٍ أَيِ الْحِجَارَةِ الَّتِي تُوضَعُ عَلَيْهَا الْقِدْرُ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى جَعَلْنَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَتَّى جَعَلَتْ.
قَوْلُهُ: (فِي الْبُرْمَةِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ.
قَوْلُهُ: (طُعَيِّمٌ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَحْقِيرِهِ، قَالُوا: مِنْ تَمَامِ الْمَعْرُوفِ تَعْجِيلُهُ وَتَحْقِيرُهُ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ.
قَوْلُهُ: (فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ) فِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَرَجُلَانِ بِالْجَزْمِ، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ بَعْدَ هَذِهِ فَقُمْ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَكُنْتُ أُرِيدُ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: قُومُوا، فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ) فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا: قُومُوا وَهِيَ أَوْضَحُ، فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ الْمُهَاجِرِينَ بِذَلِكَ، فَكَأَنَّ الْمُرَادَ فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَمَنْ مَعَهُمْ، وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِمْ، وَفِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: ادْخُلُوا) فِي هَذَا السِّيَاقِ اخْتِصَارٌ، وَبَيَانُهُ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ قَالَ: فَلَقِيتُ مِنَ الْحَيَاءِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ﷿ وَقُلْتُ: جَاءَ الْخَلْقُ عَلَى صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَعَنَاقٍ، فَدَخَلْتُ عَلَى امْرَأَتِي أَقُولُ: افْتَضَحْتُ، جَاءَكِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْخَنْدَقِ أَجْمَعِينَ. فَقَالَتْ: هَلْ كَانَ سَأَلَكَ كَمْ طَعَامُكَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَنَحْنُ قَدْ أَخْبَرْنَاهُ بِمَا عِنْدَنَا، فَكَشَفَتْ عَنِّي غَمًّا شَدِيدًا. وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ فَجِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ. فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ. وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئْتُ فَسَارَرْتُهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا أَوْصَتْهُ أَوَّلًا بِأَنْ يُعْلِمَهُ بِالصُّورَةِ، فَلَمَّا قَالَ لَهَا إِنَّهُ جَاءَ بِالْجَمِيعِ ظَنَّتْ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ فَخَاصَمَتْهُ، فَلَمَّا أَعْلَمَهَا أَنَّهُ أَعْلَمَهُ سَكَنَ مَا عِنْدَهَا لِعِلْمِهَا بِإِمْكَانِ خَرْقِ الْعَادَةِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُفُورِ عَقْلِهَا وَكَمَالِ فَضْلِهَا. وَقَدْ وَقَعَ لَهَا مَعَ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ التَّمْرِ أَنَّ جَابِرًا أَوْصَاهَا لَمَّا زَارَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الِانْصِرَافَ نَادَتْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي. فَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ. فَعَاتَبَهَا جَابِرٌ، فَقَالَتْ لَهُ: أَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُورِدُ رَسُولَهُ بَيْتِي ثُمَّ يَخْرُجُ وَلَا أَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ.
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ لِجَابِرٍ: فَارْجِعْ إِلَيْهِ فَبَيِّنْ لَهُ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هِيَ عَنَاقٌ وَصَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَا تُحَرِّكَنَّ شَيْئًا مِنَ التَّنُّورِ وَلَا مِنَ الْقِدْرِ حَتَّى آتِيَهَا، وَاسْتَعِرْ صِحَافًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَضَاغَطُوا) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَغَيْرِ مُعْجَمَةٍ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُشَالَةٍ، أَيْ لَا تَزْدَحِمُوا، وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ.
قَوْلُهُ: (وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ) أَيْ يُغَطِّيهَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَنْزِعُ) أَيْ يَأْخُذُ اللَّحْمَ مِنَ الْبُرْمَةِ، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ الَّتِي تِلْوَ هَذِهِ فَقَالَ: ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكَ أَيْ تُسَاعِدْكَ، وَقَوْلُهُ: وَاقْدَاحِي مِنْ بُرْمَتِكِ أَيِ اغْرِفِي، وَالْمِقْدَحَةُ الْمِغْرَفَةُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ وَأَقْعَدَهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً فَأَكَلُوا.
قَوْلُهُ: (وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ) فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ لَأَكَلُوا - أَيْ لَقَدْ أَكَلُوا - حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ أَيْ رَجَعُوا، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ فَمَا زَالَ يُقَرِّبُ إِلَى النَّاسِ حَتَّى شَبِعُوا أَجْمَعُونَ، وَيَعُودُ التَّنُّورُ وَالْقِدْرُ أَمْلَأَ مَا كَانَا.
قَوْلُهُ: (كُلِي هَذَا وَأَهْدِي) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ فِعْلُ أَمْرٍ لِلْمَرْأَةِ مِنَ الْهَدِيَّةِ، ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ كُلِي وَأَهْدِي، فَلَمْ نَزَلْ نَأْكُلُ وَنُهْدِي يَوْمَنَا أَجْمَعَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ فَأَكَلْنَا نَحْنُ وَأَهْدَيْنَا لِجِيرَانِنَا، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَهَبَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ أَيْضًا فِي قِصَّةٍ أُخْرَى بِمَا يُغْنِي