للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رجلين، فكان إذا سئل حدث به عن رجل، ثم يسأل عنه بعد حين فيحدث به عن الآخر، فيقولون: ما أكذبه وهو صادق.

وقال سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، قال أيوب: قال عكرمة: أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي أفلا يكذبوني في وجهي، يعني أنهم إذا واجهوه بذلك أمكنه الجواب عنه، والمخرج منه، وقال سليمان بن حرب: وجه هذا أنهم إذا رموه بالكذب لم يجدوا عليه حجة، وأما طعن إبراهيم عليه بسبب رجوعه عن قوله في تفسير البطشة الكبرى إلى ما أخبره به، عن ابن مسعود، فالظاهر أن هذا يوجب الثناء على عكرمة لا القدح؛ إذ كان يظن شيئا، فبلغه عمن هو أولى منه خلافه، فترك قوله لأجل قوله، وأما قصة القاسم بن معن ففيها دلالة على تحريه، فإنه حدثه في المذاكرة بشيء، فلما رآه يريد أن يكتبه عنه شك فيه، فأخبره أنه إنما قاله برأيه، فهذا أولى أن يحمل عليه من أن يظن به أنه تعمد الكذب على ابن عباس .

وأما ذم مالك فقد بين سببه، وأنه لأجل ما رمي به من القول ببدعة الخوارج، وقد جزم بذلك أبو حاتم، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي، عن عكرمة فقال: ثقة، قلت: يحتج بحديثه، قال: نعم إذا روى عنه الثقات، والذي أنكر عليه مالك إنما هو بسبب رأيه على أنه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك، وإنما كان يوافق في بعض المسائل، فنسبوه إليهم، وقد برأه أحمد والعجلي من ذلك، فقال في كتاب الثقات له: عكرمة مولى ابن عباس مكي تابعي ثقة، بريء مما يرميه الناس به من الحرورية.

وقال ابن جرير: لو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعى به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم إلا، وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه، وأما قبوله لجوائز الأمراء فليس ذلك بمانع من قبول روايته، وهذا الزهري قد كان في ذلك أشهر من عكرمة، ومع ذلك فلم يترك أحد الرواية عنه بسبب ذلك، وإذ فرغنا من الجواب عما طعن عليه به فلنذكر ثناء الناس عليه من أهل عصره، وهلم جرا، قال محمد بن فضيل، عن عثمان بن حكيم: كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف إذ جاء عكرمة، فقال: يا أبا أمامة، أذكرك الله هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه فإنه لم يكذب علي، فقال أبو أمامة: نعم، وهذا إسناد صحيح، وقال يزيد النحوي عن عكرمة: قال لي ابن عباس: انطلق فأفت الناس، وحكى البخاري عن عمرو بن دينار، قال: أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل عن عكرمة، فجعلت كأني أتباطأ فانتزعها من يدي، وقال: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس، وقال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة، وقال حبيب بن أبي ثابت: مر عكرمة بعطاء، وسعيد بن جبير، قال: فحدثهم، فلما قام قلت لهما: تنكران مما حدث شيئا قالا: لا، وقال أيوب: حدثني فلان، قال: كنت جالسا إلى عكرمة، وسعيد بن جبير، وطاوس، وأظنه، قال: وعطاء في نفر، فكان عكرمة صاحب الحديث يومئذ، وكأن على رءوسهم الطير، فما خالفه أحد منهم إلا أن سعيدا خالفه في مسألة واحدة، قال أيوب: أرى ابن عباس كان يقول القولين جميعا، وقال حبيب أيضا: اجتمع عندي خمسة: طاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء، فأقبل مجاهد وسعيد يلقيان على عكرمة المسائل، فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما، فلما نفد ما عندهما جعل يقول: نزلت آية كذا في كذا، ونزلت آية كذا في كذا.

وقال ابن عيينة: كان عكرمة إذا تكلم في المغازي، فسمعه إنسان، قال: كأنه مشرف عليهم يراهم، قال: وسمعت أيوب يقول: لو قلت لك: إن الحسن ترك كثيرا من التفسير حين دخل عكرمة البصرة، حتى خرج منها لصدقت.

وقال عبد الصمد بن معقل: لما قدم عكرمة الجند أهدى له طاوس نجيبا بستين دينارا، فقيل له في ذلك، فقال: ألا أشتري علم ابن عباس لعبد الله بن طاوس بستين دينارا.

وقال الف زدق بن خراش: قدم علينا عكرمة مرو، فقال لنا شهر بن حوشب: ائتوه فإنه لم تكن

<<  <  ج: ص:  >  >>