للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قُرَيْظَةَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ: فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ الْعَصْرَ وَتَرَكَتْهَا طَائِفَةٌ وَقَالَتْ: إِنَّا فِي عَزْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ Object فَلَيْسَ عَلَيْنَا إِثْمٌ، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.

وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْصُولًا بِذِكْرِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِيهِ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ Object نَحْوَهُ مُطَوَّلًا وَفِيهِ فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَتَرَكَتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَهَذَا كُلُّهُ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ فِي أَنَّهَا الْعَصْرُ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ الْأَمْرِ كَانَ صَلَّى الظُّهْرَ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُصَلِّهَا فَقِيلَ: لِمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ وَلِمَنْ صَلَّاهَا لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ. وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ رَاحَتْ بَعْدَ طَائِفَةٍ فَقِيلَ لِلطَّائِفَةِ الْأُولَى: الظُّهْرَ وَقِيلَ لِلطَّائِفَةِ الَّتِي بَعْدَهَا: الْعَصْرَ، وَكِلَاهُمَا جَمْعٌ لَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنْ يُبْعِدُهُ اتِّحَادُ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ مِنْ مَبْدَئِهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ رِجَالِ إِسْنَادِهِ قَدْ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَحَمَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ. ثُمَّ تَأَكَّدَ عِنْدِي أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ مِنْ حِفْظِ بَعْضِ رُوَاتِهِ فَإِنَّ سِيَاقَ الْبُخَارِيِّ وَحْدَهُ مُخَالِفٌ لِسِيَاقِ كُلِّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ وَعَنْ عَمِّهِ جُوَيْرِيَةَ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ قَالَ النَّبِيُّ Object لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ. فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ Object فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَسَائِرِ مِنْ رَوَاهُ نَادَى فِينَا رَسُولُ اللَّهِ Object يَوْمَ انْصَرَفَ عَنِ الْأَحْزَابِ أَنَّ لَا يُصَلِّينَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ فَصَلَّوْا دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ Object وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ، قَالَ: فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.

فَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَغَايُرِ اللَّفْظَيْنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ شَيْخَ الشَّيْخَيْنِ فِيهِ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيَّ حَدَّثَ بِهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبَاقِينَ حَدَّثَهُمْ بِهِ عَلَى اللَّفْظِ الْأَخِيرِ وَهُوَ اللَّفْظُ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ جُوَيْرِيَةَ، بِدَلِيلِ مُوَافَقَةِ أَبِي عِتْبَانَ لَهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيُّ أَوْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ كَتَبَهُ مِنْ حِفْظِهِ وَلَمْ يُرَاعِ اللَّفْظَ كَمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يُحَافِظُ عَلَى اللَّفْظِ كَثِيرًا، وَإِنَّمَا لَمْ أُجَوِّزْ عَكْسَهُ لِمُوَافَقَةِ مَنْ وَافَقَ مُسْلِمًا عَلَى لَفْظِهِ بِخِلَافِ الْبُخَارِيِّ، لَكِنْ مُوَافَقَةُ أَبِي حَفْصٍ السُّلَمِيِّ لَهُ تُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ حَيْثُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى حَدِيثِ غَيْرِهِ فَالِاحْتِمَالَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي كَوْنِهِ قَالَ: الظُّهْرَ لِطَائِفَةٍ وَالْعَصْرَ لِطَائِفَةٍ مُتَّجَهٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ الظُّهْرِ هِيَ الَّتِي سَمِعَهَا ابْنُ عُمَرَ وَرِوَايَةُ الْعَصْرِ هِيَ الَّتِي سَمِعَهَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَائِشَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَا يُعَابُ عَلَى مِنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثٍ أَوْ آيَةٍ، وَلَا عَلَى مَنِ اسْتَنْبَطَ مِنَ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ، وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْفُرُوعِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبٌ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ صَوَابًا فِي حَقِّ إِنْسَانٍ وَخَطَأً فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ يُحْكَمَ فِي النَّازِلَةِ بِحُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ، قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الخطر وَالْإِبَاحَةَ صِفَاتُ أَحْكَامٍ لَا أَعْيَانٍ قَالَ: فَكُلُّ مُجْتَهِدٍ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ وَجْهًا مِنَ التَّأْوِيلِ فَهُوَ مُصِيبٌ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْجُمْهُورَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْقَطْعِيَّاتِ وَاحِدٌ، وَخَالَفَ الْجَاحِظُ، وَالْعَنْبَرِيُّ. وَأَمَّا مَا لَا قَطْعَ فِيهِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَقَرَّرَهُ، وَنُقِلَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَابِعٌ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ مُصِيبٌ بِاجْتِهَادِهِ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ثُمَّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ