الثَّبْتُ، وَقِيلَ: عَاشَتْ بَعْدَهُ سَبْعِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: شَهْرَيْنِ، جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا. وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إِلَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ: وَعَاشَتْ. . . إِلَخْ إِدْرَاجًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: كَمْ عَاشَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَهُ؟ قَالَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَزَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِمُسْلِمٍ، وَلَمْ يَقَعْ عِنْدَ مُسْلِمٍ هَكَذَا، بَلْ فِيهِ كَمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَوْصُولًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ) رَوَى ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْعَبَّاسِ صَلَّى عَلَيْهَا، وَمِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ أَنَّهَا دُفِنَتْ لَيْلًا، وَكَانَ ذَلِكَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهَا لِإِرَادَةِ الزِّيَادَةِ فِي التَّسَتُّرِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُعْلِمْ أَبَا بَكْرٍ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَنْهُ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهَا وَلَا صَلَّى عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي النَّهْيِ عَنِ الدَّفْنِ لَيْلًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِهِ: إِلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ)؛ أَيْ كَانَ النَّاسَ يَحْتَرِمُونَهُ إِكْرَامًا لِفَاطِمَةِ، فَلَمَّا مَاتَتْ وَاسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الْحُضُورِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ قَصَرَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ الِاحْتِرَامِ لِإِرَادَةِ دُخُولِهِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، وَلِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: لَمَّا جَاءَ وَبَايَعَ كَانَ النَّاسُ قَرِيبًا إِلَيْهِ حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْذِرُونَهُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي مُدَّةِ حَيَاةِ فَاطِمَةَ لِشَغْلِهِ بِهَا وَتَمْرِيضِهَا وَتَسْلِيَتِهَا عَمَّا فِيهِ مِنَ الْحُزْنِ عَلَى أَبِيهَا ﷺ ولِأَنَّهَا لَمَّا غَضِبَتْ مِنْ رَدِّ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهَا فِيمَا سَأَلَتْهُ مِنَ الْمِيرَاثِ رَأَى عَلِيٌّ أَنْ يُوَافِقَهَا فِي الِانْقِطَاعِ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الْأَشْهُرِ)؛ أَيْ فِي حَيَاةِ فَاطِمَةَ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: الْعُذْرُ لِعَلِيٍّ فِي تَخَلُّفِهِ مَعَ مَا اعْتَذَرَ هُوَ بِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي بَيْعَةِ الْإِمَامِ أَنْ يَقَعَ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ، وَلَا يَلْزَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ وَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، بَلْ يَكْفِي الْتِزَامُ طَاعَتِهِ وَالِانْقِيَادُ لَهُ بِأَنْ لَا يُخَالِفَهُ وَلَا يَشُقَّ الْعَصَا عَلَيْهِ، وَهَذَا كَانَ حَالُ عَلِيٍّ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِلَّا التَّأَخُّرُ عَنِ الْحُضُورِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ ذَكَرْتُ سَبَبَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (كَرَاهِيَةً لِيَحْضُرَ عُمَرُ) فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ: لِمَحْضَرِ عُمَرَ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ مَا أَلِفُوهُ مِنْ قُوَّةِ عُمَرَ وَصَلَابَتِهِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَقِيقًا لَيِّنًا، فَكَأَنَّهُمْ خَشَوْا مِنْ حُضُورِ عُمَرَ كَثْرَةَ الْمُعَاتَبَةِ الَّتِي قَدْ تُفْضِي إِلَى خِلَافِ مَا قَصَدُوهُ مِنَ الْمُصَافَاةِ.
قَوْلُهُ: (لَا تَدْخُلْ عَلَيْهِمْ)؛ أَيْ لِئَلَّا يَتْرُكُوا مِنْ تَعْظِيمِكَ مَا يَجِبُ لَكَ.
قَوْلُهُ: (وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؟) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: فِي هَذَا شَاهِدٌ عَلَى صِحَّةِ تَضْمِينِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ مَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ وَإِجْرَائِهِ مَجْرَاهُ فِي التَّعْدِيَةِ، فَإِنَّ عَسَيْتَ فِي هَذَا الْكَلَامِ بِمَعْنَى حَسِبْتَ وَأُجْرِيَتْ مَجْرَاهَا فَنَصَبْتَ ضَمِيرَ الْغَائِبِينَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ عَارِيًا مِنْ أَنْ لَكِنْ جِيءَ بِهَا لِئَلَّا تَخْرُجَ عَسَى عَنْ مُقْتَضَاهَا بِالْكُلِّيَّةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ أَنْ قَدْ تَسُدُّ بِصِلَتِهَا مَسَدَّ مَفْعُولَيْ حَسِبْتَ، فَلَا يُسْتَبْعَدُ مَجِيئُهَا بَعْدَ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ بَدَلًا مِنْهُ. قَالَ: وَيَجُوزُ جَعْلُ مَا عَسَيْتَهُمْ حَرْفَ خِطَابٍ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ اسْمُ عَسَى، وَالتَّقْدِيرُ مَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي، وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ نَنْفَسُ؛ أَيْ لَمْ نَحْسُدْكَ عَلَى الْخِلَافَةِ، يُقَالُ: نَفِسْتُ بِكَسْرِ الْفَاءِ أَنْفَسُ بِالْفَتْحِ نَفَاسَةً. وَقَوْلُهُ: اسْتَبْدَدْتَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ: وَاسْتَبَدْتَ بِدَالٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، وَأُسْقِطَتِ الثَّانِيَةُ تَخْفِيفًا كَقَوْلِهِ: ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ أَصْلُهُ ظَلَلْتُمْ، أَيْ لَمْ تُشَاوِرْنَا، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْخِلَافَةُ.
قَوْلُهُ: (وَكُنَّا نُرَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ.
قَوْلُهُ: (لِقَرَابَتِنَا)؛ أَيْ لِأَجْلِ قَرَابَتِنَا (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَصِيبًا)؛ أَيْ لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى فَاضَتْ)؛ أَيْ لَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ يَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ مِنَ الرِّقَّةِ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَعَلَّ عَلِيًّا أَشَارَ إِلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَبَدَّ عَلَيْهِ