فأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. وَزَادَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ قَالَ: ارْمُلُوا لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُمْ. وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ رَافِعٍ) هَذَا الْبَعْضُ رَوَاهُ الْفَرَبْرِيُّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، عَنِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ مَجْزُومًا بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِجَمِيعِهِمْ، وَسَاقَهُ هُنَاكَ عَلَى لَفْظِهِ وَهُنَا عَلَى لَفْظِ رَفِيقِهِ. وَسُرَيْحٌ هُوَ ابْنُ النُّعْمَانِ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ يُحَدِّثُ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ كَمَا هُنَا.
قَوْلُهُ: (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) يَعْنِي الْمَعْرُوفُ بِابْنِ إِشَكَابَ يُكَنَّى أَبَا جَعْفَرٍ وَأَبُوهُ الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ الْعَامِرِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَلِيٍّ خُرَاسَانِيٌّ سَكَنَ بَغْدَادَ وَطَلَبَ الْحَدِيثَ وَلَزِمَ أَبَا يُوسُفَ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ الْبُخَارِيُّ فَإِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِأَبِيهِ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَوْلُهُ: (بِالْحُدَيْبِيَةِ) تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ فِي الشُّرُوطِ.
قَوْلُهُ: (إِلَّا سُيُوفًا) يَعْنِي فِي غِمْدِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقِيمُ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا) بَيَّنَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى ثَلَاثةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: قَوْلُهُ: ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُخَالِفُ قَوْلَهُ: إِلَّا مَا أَحَبُّوا فَيُجْمَعُ بِأَنَّ مَحَبَّتَهُمْ لَمَّا كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَفْصَحَ بِهَا الرَّاوِي مُعَبِّرًا عَمَّا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. قُلْتُ: بَلْ قَوْلُهُ: مَا أَحَبُّوا مُجْمَلٌ بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ مَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلَاثة أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ) تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالُوا لِعَلِيٍّ: هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ، فَمُرْهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَخَرَجَ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعُمْرَةِ، وَفِيهِ قِصَّتُهُ مَعَ عَائِشَةَ وَإِنْكَارُهَا عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: أَلَا تَسْمَعِينَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، وَنَقَلَ الْكَرْمَانِيُّ رِوَايَةَ أَلَا تَسْمَعِي بِغَيْرِ نُونٍ وَهِيَ لُغَيَّةٌ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ
قَوْلُهُ: (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ.
قَوْلُهُ: (سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ) أَيْ خَشِيَةَ أَنْ يُؤْذُوهُ، كَذَا قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ لَمَّا قِدَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، فَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنَ السُّفَهَاءِ وَالصِّبْيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْذُوهُ. أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ: وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ صِبْيَانِ أَهْلِ مَكَّةَ لَا يُؤْذُونَهُ أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ فَطُفْنَا مَعَهُ، وَأَتَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهُمَا مَعَهُ أَيْ سَعَوْا، قَالَ: وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ تَقَدَّمَ بِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ فِي أَبْوَابِ الطَّوَافِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابُ بَدْءِ الرَّمَلِ وَشَرَحْتُ بَعْضَ أَلْفَاظِهِ وَحُكْمَ الرَّمَلِ هُنَاكَ.
قَوْلُهُ: (وَفْدٌ) أَيْ قَوْمٌ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ وَقَدْ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
قَوْلُهُ: (وَهَنَتْهُمْ) بِتَخْفِيفِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ أَضْعَفَتْهُمْ، وَيَثْرِبُ اسْمُ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ حِكَايَةً لِكَلَامِ الْمُشْرِكِينَ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى مَا قَالُوا.
قَوْلُهُ: (إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا الْقَافُ وَالْمَدُّ أَيِ الرِّفْقُ بِهِمْ وَالْإِشْفَاقُ عَلَيْهِمْ، وَالْمَعْنَى لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ أَمْرِهِمْ بِالرَّمَلِ فِي جَمِيعِ الطَّوْفَاتِ إِلَّا الرِّفْقُ بِهِمْ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رُوِّينَا قَوْلَهُ: إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يَمْنَعُهُ، وَبِالنَّصَبِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ وَيَكُونَ فِي يَمْنَعُهُ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فَاعِلُهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَمْشُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ) أَيِ الْيَمَانِيَّيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ