للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَصَحُّ الْمَغَازِي كَمَا تَقَدَّمَ - مَا نَصُّهُ ثُمَّ أَخَذَهُ - يَعْنِي اللِّوَاءَ - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقُتِلَ، ثُمَّ اصْطَلَحَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ وَأَظْهَرَ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ خَالِدًا لَمَّا حَازَ الْمُسْلِمِينَ وَبَاتَ، ثُمَّ أَصْبَحَ وَقَدْ غَيَّرَ هَيْئَةَ الْعَسْكَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَوَهَّمَ الْعَدُوُّ أَنَّهُمْ قَدْ جَاءَ لَهُمْ مَدَدٌ، حَمَلَ عَلَيْهِمْ خَالِدٌ حِينَئِذٍ فَوَلَّوْا فَلَمْ يَتْبَعْهُمْ، وَرَأَى الرُّجُوعَ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ الْغَنِيمَةُ الْكُبْرَى. ثُمَّ وَجَدْتُ فِي مَغَازِي ابْنِ عَائِذٍ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّ خَالِدًا لَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى انْحَازَ الْفَرِيقَانِ عَنْ غَيْرِ هَزِيمَةٍ، وَقَفَلَ الْمُسْلِمُونَ فَمَرُّوا عَلَى طَرِيقِهِمْ بَقَرْيَةٍ بِهَا حِصْنٌ كَانُوا فِي ذَهَابِهِمْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا، فَحَاصَرُوهُمْ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَنْوَةً، وَقَتَلَ خَالِدُ ابْنُ الْوَلِيدِ مُقَاتِلَهُمْ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ نَقِيعُ الدَّمِ إِلَى الْيَوْمِ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عَائِشَةَ.

٤٢٦٣ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ﵂ تَقُولُ: لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ﵃ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ. تَعْنِي مِنْ شَقِّ الْبَابِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ قَالَ: فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُطِعْنَهُ قَالَ: فَأَمَرَ أَيْضًا فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنْ التُّرَابِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْعَنَاءِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ.

قَوْلُهُ: (لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ رَوَاحَةَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَجِيءَ الْخَبَرِ عَلَى لِسَانِ الْقَاصِدِ الَّذِي حَضَرَ مِنْ عِنْدِ الْجَيْشِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَجِيءَ الْخَبَرِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُقَدِّمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الْمَسْجِدِ.

قَوْلُهُ: (يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ) أَيْ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ ظُهُورَ الْحُزْنِ عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ صَابِرًا رَاضِيًا إِذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إِنَّ مَنْ كَانَ تنْزَعِجُ بِالْمُصِيبَةِ وَيُعَالِجُ نَفْسَهُ عَلَى الرِّضَا وَالصَّبْرِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِوُقُوعِ الْمُصِيبَةِ أَصْلًا، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ، تَعْنِي مِنْ شَقِّ الْبَابِ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ بِشَقِّ الْبَابِ وَلِلنَّسَفِيِّ شَقٌّ بِغَيْرِ مُوَحَّدَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ هُنَا، وَشِقٌّ بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا، يُقَالُ بِالْفَتْحِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُنْظَرُ مِنْهُ كَالْكَوَّةِ، وَبِالْكَسْرِ النَّاحِيَةِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْجَنَائِزِ بِلَفْظِ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ شِقِّ الْبَابِ إِدْرَاجًا، وَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِ صَائِرِ تَغْيِيرٌ وَالصَّوَابُ صِيرٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ، قَالَ الْجَهورِيُّ: الصِّيرُ شِقُّ الْبَابِ، وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ نَظَرَ مِنْ صِيرِ بَابٍ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ فَهِيَ هَدَرٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَمْ أَسْمَعْ هَذَا الْحَرْفَ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (فَأَتَاهُ رَجُلٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ زَوْجَاتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنَ النِّسَاءِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ لِجَعْفَرٍ زَوْجَةً غَيْرَ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ.

قَوْلُهُ: (فَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَذَكَرَ بِوَاوٍ.

قَوْلُهُ: (فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ) كَذَا رَأَيْتُ فِي أَصْلِ أَبِي ذَرٍّ، فَإِنْ كَانَ مَضْبُوطًا فَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَنَهَاهُنَّ، وَأَظُنُّهُ مُحَرَّفًا فَإِنَّ الَّذِي فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ فَأَمَرَهُ أَنَّ يَنْهَاهُنَّ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَكَذَا وَقَعَ فِي الْجَنَائِزِ:

قَوْلُهُ: (وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُطِعْنَهُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ وَهُوَ أَوْجَهُ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ غَلَبْنَنَا) أَيْ فِي عَدَمِ الِامْتِثَالِ لِقَوْلِهِ، وَذَلِكَ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُنَّ بِنَهْيِ الشَّارِعِ عَنْ ذَلِكَ فَحَمَلْنَ أَمْرَهُ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِنَّ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، أَوْ حَمَلْنَ الْأَمْرَ عَلَى التَّنْزِيهِ فَتَمَادَيْنَ عَلَى مَا هُنَّ فِيهِ، أَوْ لِأَنَّهُنَّ لِشِدَّةِ الْمُصِيبَةِ لَمْ يَقْدِرْنَ عَلَى تَرْكِ الْبُكَاءِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى مَحْضِ الْبُكَاءِ كَالنَّوْحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ أَمَرَ الرَّجُلَ بِتَكْرَارِ النَّهْيِ. وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّحَابِيَّاتِ لَا يَتَمَادَيْنَ بَعْدَ تَكْرَارِ النَّهْيِ عَلَى أَمْرٍ مُحَرَّمٍ، وَلَعَلَّهُنَّ تَرَكْنَ النَّوْحَ وَلَمْ يَتْرُكْنَ الْبُكَاءَ، وَكَانَ غَرَضُ الرَّجُلِ حَسْمَ الْمَادَّةِ وَلَمْ يُطِعْنَهُ، لَكِنْ قَوْلُهُ: فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ تَمَادَيْنَ عَلَى الْأَمْرِ الْمَمْنُوعِ، وَيَجُوزُ فِي الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ