للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سُفْيَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: جَدِّدْ لَنَا الْحِلْفَ، قَالَ: لَيْسَ الْأَمْرُ إِلَيَّ. ثُمَّ أَتَى عُمَرَ فَأَغْلَظَ لَهُ عُمَرُ. ثُمَّ أَتَى فَاطِمَةَ فَقَالَتْ لَهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ إِلَيَّ. فَأَتَى عَلِيًّا فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَضَلَّ - أَيْ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ - أَنْتَ كَبِيرُ النَّاسِ، فَجَدِّدِ الْحِلْفَ. قَالَ: فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَقَالَ: قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ. وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَقَالُوا لَهُ: جِئْتَنَا بِحَرْبٍ فَنَحْذَرَ، وَلَا بِصُلْحٍ فَنَأْمَنَ لَفْظُ عِكْرِمَةَ وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فَقَالُوا لَهُ: لَعِبَ بِكَ عَلِيٌّ وَإِنَّ إِخْفَارَ جِوَارِكَ لَهَيِّنٌ عَلَيْهِمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: بَلَغَ قُرَيْشًا أَيْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ ذَلِكَ لَا أَنَّ مُبَلِّغًا بَلَّغَهُمْ ذَلِكَ حَقِيقَةً.

قَوْلُهُ: (خَرَجُوا يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَائِذٍ فَبَعَثُوا أَبَا سُفْيَانَ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ فَلَقِيَا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ فَاسْتَصْحَبَاهُ فَخَرَجَ مَعَهُمَا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُهُ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَزِيَادَةِ وَاوٍ، وَالظَّهْرَانُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ ظَهْرِ، وَفِي مُرْسَلِ أَبِي سَلَمَةَ حَتَّى إِذَا دَنُوا مِنْ ثَنِيَّةِ مَرِّ الظَّهْرَانِ أَظْلَمُوا - أَيْ دَخَلُوا فِي اللَّيْلِ - فَأَشْرَفُوا عَلَى الثَّنِيَّةِ، فَإِذَا النِّيرَانُ قَدْ أَخَذَتِ الْوَادِيَ كُلَّهُ وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْقَدُوا تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَشَرَةَ آلَافِ نَارٍ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ) أَيِ النِّيرَانُ (لَكَأَنَّهَا) جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ. وَقَوْلُهُ: (نِيرَانُ عَرَفَةَ) إِشَارَةٌ إِلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ مِنْ إِيقَادِ النِّيرَانِ الْكَثِيرَةِ لَيْلَةَ عَرَفَةَ، وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَوْقَدُوا عَشْرَةَ آلَافِ نَارٍ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: هَذِهِ نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو) يَعْنِي خُزَاعَةَ، وَعَمْرٌو يَعْنِي: ابْنُ لُحَيٍّ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَعَ نَسَبِ خُزَاعَةَ فِي أَوَّلِ الْمَنَاقِبِ (فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ) وَمِثْلُ هَذَا فِي مُرْسَلِ أَبِي سَلَمَةَ، وَفِي مَغَازِي عُرْوَةَ عِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ عَكْسُ ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا الْفَسَاطِيطَ وَسَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ فَرَاعَهُمْ ذَلِكَ فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ بَنُو كَعْبٍ - يَعْنِي خُزَاعَةَ، وَكَعْبٌ أَكْبَرُ بُطُونِ خُزَاعَةَ - جَاشَتْ بِهِمُ الْحَرْبُ. فَقَالَ بَدِيلٌ: هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مَا بَلَغَ تَأْلِيبُهَا هَذَا. قَالُوا: فَانْتَجَعَتْ هَوَازِنُ أَرْضَنَا، وَاللَّهِ مَا نَعْرِفُ هَذَا أَنَّهُ هَذَا الْمَثَلُ صَاحَ النَّاسُ.

قَوْلُهُ: (فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ) وفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَائِذٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَيْلًا تَقْبِضُ الْعُيُونَ، وَخُزَاعَةُ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يَمْضِي، فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَتْهُمُ الْخَيْلُ تَحْتَ اللَّيْلِ وَفِي مُرْسَلِ أَبِي سَلَمَةَ وَكَانَ حَرَسُ رَسُولِ اللَّهِ نَفَرًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْهِمْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَجَاءُوا بِهِمْ إِلَيْهِ فَقَالُوا: جِئْنَاكَ بِنَفَرٍ أَخَذْنَاهُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَوْ جِئْتُمُونِي بِأَبِي سُفْيَانَ مَا زِدْتُمْ. قَالُوا: قَدْ أَتَيْنَاكَ بِأَبِي سُفْيَانَ وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْعَبَّاسَ خَرَجَ لَيْلًا فَلَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ، وَبُدَيْلًا، فَحَمَلَ أَبَا سُفْيَانَ مَعَهُ عَلَى الْبَغْلَةِ وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْحَرَسَ لَمَّا أَخَذُوهُمُ اسْتَنْقَذَ الْعَبَّاسُ، أَبَا سُفْيَانَ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ مَرَّ الظَّهْرَانِ قَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللَّهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ إِنَّهُ لَهَلَاكَ قُرَيْشٍ. قَالَ: فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى جِئْتُ الْأَرَاكَ فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَجِدُ بَعْضَ الْحَطَّابَةِ أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي مَكَّةَ فَيُخْبِرُهُمْ، إِذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ، وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، قَالَ: فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَعَرَفَ صَوْتِي فَقَالَ: أَبَا الْفَضْلِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: مَا الْحِيلَةُ؟ قُلْتُ: فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتَّى آتِيَ بِكَ رَسُولَ اللَّهِ فَأَسْتَأْمِنَهُ لَكَ. قَالَ: فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُمْ أَخَذُوهُمْ، وَلَكِنْ عِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ فَدَخَلَ بُدَيْلٌ، وَحَكِيمٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَسْلَمَاه فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ أَيْ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَا، وَاسْتَمَرَّ أَبُو سُفْيَانَ عِنْدَ الْعَبَّاسِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ