بِضَمِّ النُّون وَالْمُهْمَلَة وَقَدْ تُسَكَّن، بَعْدهَا مُوَحَّدَة، هِيَ وَاحِدَة الْأَنْصَاب، وَهُوَ مَا يُنْصَب لِلْعِبَادَةِ مِنْ دُون اللَّه تَعَالَى. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ صَنَمًا بَدَل نُصُبًا. وَيُطْلَق النُّصُب وَيُرَاد بِهِ الْحِجَارَة الَّتِي كَانُوا يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا لِلْأَصْنَامِ وَلَيْسَتْ مُرَادَة هُنَا، وَتُطْلَق الْأَنْصَاب عَلَى أَعْلَام الطَّرِيق وَلَيْسَتْ مُرَادَة هُنَا وَلَا فِي الْآيَة.
قَوْله: (فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا) بِضَمِّ الْعَيْن وَبِفَتْحِهَا وَالْأَوَّل أَشْهُر.
قَوْله: (بِعُودٍ فِي يَده وَيَقُول: جَاءَ الْحَقّ) فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم يَطْعَن فِي عَيْنَيْهِ بِسِيَةِ الْقَوْس وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر عِنْد الْفَاكِهِيّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ فَيَسْقُط الصَّنَم وَلَا يَمَسّهُ، وَلِلْفَاكِهِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فَلَمْ يَبْقَ وَثَن اِسْتَقْبَلَهُ إِلَّا سَقَطَ عَلَى قَفَاهُ، مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَة بِالْأَرْضِ، وَقَدْ شَدَّ لَهُمْ إِبْلِيس أَقْدَامهَا بِالرَّصَاصِ وَفَعَلَ النَّبِيّ ﷺ ذَلِكَ لِإِذْلَالِ الْأَصْنَام وَعَابِدِيهَا، وَلِإِظْهَارِ أَنَّهَا لَا تَنْفَع وَلَا تَضُرّ، وَلَا تَدْفَع عَنْ نَفْسهَا شَيْئًا.
قَوْله: (الْأَزْلَام) هِيَ السِّهَام الَّتِي كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا الْخَيْر وَالشَّرّ، وَعِنْد اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ حَدِيث جَابِر نَحْو حَدِيث اِبْن مَسْعُود وَفِيهِ فَأَمَرَ بِهَا فَكُبَّتْ لِوُجُوهِهَا وَفِيهِ نَحْو حَدِيث اِبْن عَبَّاس وَزَادَ قَاتَلَهُمْ اللَّه، مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَسْتَقْسِم بِالْأَزْلَامِ. ثُمَّ دَعَا بِزَعْفَرَانٍ فَلَطَّخَ تِلْكَ التَّمَاثِيل. وَفِي الْحَدِيث كَرَاهِيَة الصَّلَاة فِي الْمَكَان الَّذِي فِيهِ صُوَر؛ لِكَوْنِهَا مَظِنَّة الشِّرْك، وَكَانَ غَالِب كُفْر الْأُمَم مِنْ جِهَة الصُّوَرِ.
الحديث السادس.
تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ، وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقَ) هُوَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي أَبِي) سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ) وَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي دَاوُدَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا، فَلَمْ يَدْخُلْهَا حَتَّى مُحِيَتِ الصُّوَرُ، وَكَانَ عُمَرُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهَا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مَحَا مَا كَانَ مِنَ الصُّوَرِ مَدْهُونًا مَثَلًا، وَأَخْرَجَ مَا كَانَ مَخْرُوطًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَرَأَى صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ فَدَعَا بِمَاءٍ فَجَعَلَ يَمْحُوهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ خَفِيَ عَلَى مَنْ مَحَاهَا أَوَّلًا. وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَائِذٍ فِي الْمَغَازِي عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ صُورَةَ عِيسَى وَأُمِّهِ بَقِيَتَا حَتَّى رَآهُمَا بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ نَصَارَى غَسَّانَ فَقَالَ: إِنَّكُمَا لَبِبِلَادِ غُرْبَةٍ، فَلَمَّا هَدَمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْبَيْتَ ذَهَبَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا أَثَرٌ. وَقَدْ أَطْنَبَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ فِي تَخْرِيجِ طَرِيقِ هَذَا الْحَدِيثِ فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَأَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، عَطَاءً: أَدْرَكْتَ فِي الْكَعْبَةِ تَمَاثِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَدْرَكْتُ تَمَاثِيلَ مَرْيَمَ فِي حِجْرِهَا ابْنُهَا عِيسَى مُزَوَّقًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعَمُودِ الْأَوْسَطِ الَّذِي يَلِي الْبَابَ.
قَالَ: فَمَتَى ذَهَبَ ذَلِكَ؟ قَالَ: فِي الْحَرِيقِ وَفِيهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِطَمْسِ الصُّوَرِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْبَيْتِ وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَأَمَرَنِي فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي دَلْوٍ فَجَعَلَ يَبُلُّ الثَّوْبَ وَيَضْرِبُ بِهِ عَلَى الصُّوَرِ وَيَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمًا يُصَوِّرُونَ مَا لَا يَخْلُقُونَ.
وقَوْلُهُ: وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْكَعْبَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَفِيهِ الْكَلَامُ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ صَلَاةَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْكَعْبَةِ وَمَنْ نَفَاهَا.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ) وَصَلَهُ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ وُهَيْبٌ:، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ) يَعْنِي أَنَّهُ أَرْسَلَهُ. وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ بِإِثْبَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّعْلِيقِ عَنْ وُهَيْبٍ وَهُوَ خَطَأٌ، وَرَجَّحْتُ الرِّوَايَةَ الْمَوْصُولَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ؛ لِاتِّفَاقِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَمَعْمَرٍ عَلَى ذَلِكَ عَنْ أَيُّوبَ.