وَمَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَشَرَةُ آلَافٍ وَمِنْ الطُّلَقَاءِ فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ، فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا، الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، فَنَزَلَ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةٌ فَنَحْنُ نُدْعَى وَيُعْطَى الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَسَكَتُوا فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ قَالُوا: بَلَى فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَأَخَذْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ هِشَامٌ: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَلكَ؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ؟
الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ، أَوْرَدَهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي التَّيَّاحِ، وَهِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَتَادَةَ كُلِّهِمْ عَنْ أَنَسٍ، وَفِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ مَا لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْآخَرِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنْ فَائِدَةٍ فِي الَّذِي قَبْلَهُ. وَهِشَامٌ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ الصَّنْعَانِيُّ، وَأَبُو التَّيَّاحِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَإِسْنَادُهُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ. وَكَذَا طَرِيقُ قَتَادَةَ. وَهِشَامُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ ابْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَقَدْ أَوْرَدَ حَدِيثَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ: فَالْأُولَى عَنْ أَزْهَرَ، وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ، وَالثَّانِيَةُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ الْعَنْبَرِيُّ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ، وَجَمِيعُهُمْ بَصْرِيُّونَ.
قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي التَّيَّاحِ: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَنَائِمَ فِي قُرَيْشٍ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ شَيْخِهِ، وَلَهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَهِيَ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْقَابِسِيِّ غَنَائِمَ قُرَيْشٍ وَلِبَعْضِهِمْ: غَنَائِمَ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَكَّةَ لَمَّا فُتِحَتْ قُسِمَتْ غَنَائِمُ قُرَيْشٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ زَمَانُ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْمَلُ السَّنَةَ كُلَّهَا، وَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ نَاشِئَةً عَنْ غَزْوَةِ مَكَّةَ أُضِيفَتْ إِلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَكْسُهُ، وَقَدْ قَرَّرَ ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ: قَوْلُهُ يَعْنِي فِي رِوَايَةٍ: لَمَّا افْتُتِحَتْ مَكَّةُ قُسِمَتِ الْغَنَائِمُ يُرِيدُ غَنَائِمَ هَوَازِنَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ فَتْحِ مَكَّةَ غَنِيمَةٌ تُقْسَمُ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ ﷺ غَزَا حُنَيْنًا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الْقَرِيبَةِ، وَكَانَ السَّبَبُ فِي فَتْحُ مَكَّةَ هَوَازِنَ؛ لِأَنَّ الْخُلُوصَ إِلَى مُحَارَبَتِهِمْ كَانَ بِفَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ خَطَّأَ الْقَابِسِيُّ الرِّوَايَةَ وَقَالَ: الصَّوَابُ فِي قُرَيْشٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ قَالَتِ الْأَنْصَارُ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهْوَ الْعَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ الْحَدِيثَ، فَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ (إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ) كَذَا وَقَعَ بِالْإِفْرَادِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالْمَعْرُوفُ حَدِيثُو عَهْدٍ، وَكَتَبَهَا الدِّمْيَاطِيُّ بِخَطِّهِ: حَدِيثُو عَهْدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا قَرِيبِي عَهْدٍ.
قَوْلُهُ: (أَنْ أَجْبُرَهُمْ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ، وَلِلسَّرَخْسِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْجِيمِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَاي مِنَ الْجَائِزَةِ.
قَوْلُهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute