ﷺ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْحَبَشَةِ تَرَاآهُمْ أَهْلُ جِدَّةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزِّزٍ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ، فَانْتَهَى إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَلَمَّا خَاضَ الْبَحْرَ إِلَيْهِمْ هَرَبُوا، فَلَمَّا رَجَعَ تَعَجَّلَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى أَهْلِهِمْ، فَأَمَّرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ عَلَى مَنْ تَعَجَّلَ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ وَقَّاصَ بْنَ مُجَزِّزٍ كَانَ قُتِلَ يَوْمَ ذِي قَرَدٍ، فَأَرَادَ عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزِّزٍ أَنْ يَأْخُذَ بِثَأْرِهِ فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ. قُلْتُ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، إِلَّا أَنْ يُجْمَعَ بِأَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِالْأَمْرَيْنِ، وَأَرَّخَهَا ابْنُ سَعْدٍ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الْأَنْصَارِيِّ فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى احْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي لِاخْتِلَافِ سِيَاقِهِمَا وَاسْمِ أَمِيرِهِمَا، وَالسَّبَبُ فِي أَمْرِهِ بِدُخُولِهِمُ النَّارَ، وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَيُبْعِدُهُ وَصْفُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ الْقُرَشِيِّ الْمُهَاجِرِيِّ بِكَوْنِهِ أَنْصَارِيًّا، فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ نَسَبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَيُحْتَمَلُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَيْ أَنَّهُ نَصَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَى التَّعَدُّدِ جَنَحَ ابْنُ الْقَيِّمِ. وَأَمَّا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ: قَوْلُهُ: مِنَ الْأَنْصَارِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ سَهْمِيٌّ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَرِيَّةٍ، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ فَقَالَ: رَجُلًا وَلَمْ يَقُلْ: مِنَ الْأَنْصَارِ وَلَمْ يُسَمِّهِ، أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ خَبَرِ الْوَاحِدِ. وَأَمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزِّزٍ فَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَتَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ ثَقِيلَةٌ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: وَقَعَ لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَعَنِ الْقَابِسِيِّ بِجِيمٍ وَمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ. قُلْتُ: وَأَغْرَبَ الْكَرْمَانِيُّ فَحَكَى أَنَّهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ فَتْحًا وَكَسْرًا، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ وَلَدُ الْقَائِفِ الَّذِي يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي النِّكَاحِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَابْنِهِ أُسَامَةَ: إنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ فَعَلْقَمَةُ صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ) هُوَ ابْنُ زِيَادٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ) بِالتَّصْغِيرِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ السُّلَمِيُّ.
قَوْلُهُ: (فَغَضِبَ) فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ فِي الْأَحْكَامِ فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا) فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، وَهَذَا يُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ، فَإِنَّ فِيهِ فَأَوْقَدَ الْقَوْمُ نَارًا لِيَصْنَعُوا عَلَيْهَا صَنِيعًا لَهُمْ أَوْ يَصْطَلُونَ، فَقَالَ لَهُمْ: أَلَيْسَ عَلَيْكُمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ؟ قَالُوا: بَلَى، أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ بِحَقِّي وَطَاعَتِي لَمَا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النَّارِ.
قَوْلُهُ: (فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا) فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فِيهَا فَقَامُوا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ لَهُمْ شَابٌّ مِنْهُمْ: لَا تَعْجَلُوا بِدُخُولِهَا وَفِي رِوَايَةِ زُبَيْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ: فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ) فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ وَخَمَدَتْ هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ طَفِئَ لَهَبُهَا، وَحَكَى الْمُطَرِّزِيُّ كَسْرَ الْمِيمِ مِنْ خَمِدَتْ.
قَوْلُهُ: (فَسَكَنَ غَضَبُهُ) هَذَا أَيْضًا يُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ كَانَتْ بِهِ دُعَابَةٌ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ تَحَجَّزُوا حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُمْ وَاثِبُونَ فِيهَا فَقَالَ: احْبِسُوا أَنْفُسَكُمْ، فَإِنَّمَا كُنْتُ أَضْحَكُ مَعَكُمْ.
قَوْلُهُ: (فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ