لَهَا تَارَةً هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا، وَهَذَا يُقَوِّي مَا قُلْتُهُ فَإِنَّ إِرَادَةَ ذَلِكَ مَعَ ثُبُوتِ الْوَاوِ أَوْلَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: قَوْلُهُ: وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ تَقْدِيرُهُ هِيَ الَّتِي بِمَكَّةَ، وَقِيلَ الْكَعْبَةُ مُبْتَدَأٌ والشَّامِيَّةُ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ، وَالْمَعْنَى وَالْكَعْبَةُ هِيَ الشَّامِيَّةُ لَا غَيْرَ، وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ لَهُ زَائِدَةٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ كَانَ يُقَالُ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ أَيْ لِهَذَا الْبَيْتِ الْجَدِيدِ وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ أَيْ لِلْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَوْ بِالْعَكْسِ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلَيْسَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ، وَإِنَّمَا اللَّامُ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ أَيْ كَانَ يُقَالُ مِنْ أَجْلِهِ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ، أَيْ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ لِلْعَتِيقِ، وَالْأُخْرَى لِلْجَدِيدِ.
قَوْلُهُ: (أَلَا تُرِيحُنِي) هُوَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ، طَلَبٌ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ وَخَصَّ جَرِيرًا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي بِلَادِ قَوْمِهِ، وَكَانَ هُوَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالرَّاحَةِ رَاحَةُ الْقَلْبِ، وَمَا كَانَ شَيْءٌ أَتْعَبَ لِقَلْبِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ بَقَاءِ مَا يُشْرَكُ بِهِ مِنْ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مِائَةُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي بَجِيلَةَ، وَبَنِي قُشَيْرٍ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ بَنِي خَثْعَمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى عَامَّةِ مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَنَدَبَ مَعَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى خَثْعَمَ فَيَدْعُوهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَجَابُوا إِلَى الْإِسْلَامِ قَبِلَ مِنْهُمْ وَهَدَمَ صَنَمَهُمْ ذَا الْخَلَصَةِ، وَإِلَّا وَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ.
قَوْلُهُ: (فَنَفَرْتُ) أَيْ خَرَجْتُ مُسْرِعًا.
قَوْلُهُ: (فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا) زَادَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ أَيْ يَثْبُتُونَ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ فِي الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ، فَلَعَلَّهَا إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً يَكُونُ الزَّائِدُ رَجَّالَةً وَأَتْبَاعًا. ثُمَّ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ لِابْنِ السَّكَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَذُكِرَ عَنْ قَيْسِ بْنِ غَرَبَةَ الْأَحْمَسِيِّ أَنَّهُ وَفَدَ فِي خَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: وَقَدِمَ جَرِيرٌ فِي قَوْمِهِ وَقَدِمَ الْحَجَّاجُ بْنُ ذِي الْأَعْيُنِ فِي مِائَتَيْنِ، قَالَ: وَضُمَّ إِلَيْنَا ثَلَاثُمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، فَغَزَوْنَا بَنِي خَثْعَمَ. فَكَأَنَّ الْمِائَةَ وَالْخَمْسِينَ هُمْ قَوْمُ جَرِيرٍ وَتَكْمِلَةَ الْمِائَتَيْنِ أَتْبَاعُهُمْ، وَكَأَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا سَبْعُمِائَةٍ مَنْ كَانَ مِنْ رَهْطِ جَرِيرٍ، وَقَيْسِ بْنِ غَرَبَةَ؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ كَانُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَغَرَبَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ضَبَطَهُ الْأَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (فَكَسَرْنَاهُ) أَيِ الْبَيْتَ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدُ.
قَوْلُهُ: (فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ) كَذَا فِيهِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ بِذَلِكَ رَسُولُ جَرِيرٍ، فَكَأَنَّهُ نُسِبَ إِلَى جَرِيرٍ مَجَازًا.
قَوْلُهُ: (فَدَعَا لَنَا وَلِأَحْمَسَ) بِمُهْمَلَةٍ وَزْنُ أَحْمَرَ، وَهُمْ إِخْوَةُ بَجِيلَةَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ رَهْطُ جَرِيرٍ يَنْتَسِبُونَ إِلَى أَحْمَسَ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ أَنْمَارٍ، وَبَجِيلَةُ امْرَأَةٌ نُسِبَتْ إِلَيْهَا الْقَبِيلَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَمَدَارُ نَسَبِهِمْ أَيْضًا عَلَى أَنْمَارٍ. وَفِي الْعَرَبِ قَبِيلَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا أَحْمَسُ، لَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا، يَنْتَسِبُونَ إِلَى أَحْمَسَ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ. وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرَجَّالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ أَيْ دَعَا لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ فَدَعَا لِأَحْمَسَ بِالْبَرَكَةِ.
قَوْلُهُ: (وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ عَلَى صَدْرِي، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي) فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَشَكَا جَرِيرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْقَلَعَ فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا مِنْهُ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا عَلَى وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ حَتَّى بَلَغَ عَانَتَهُ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَأَرْسَلَهَا إلَى ظَهْرِهِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى أَلْيَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ ذَلِكَ لِلتَّبَرُّكِ بِيَدِهِ الْمُبَارَكَةِ.
(فَائِدَةٌ): الْقَلَعُ بِالْقَافِ ثُمَّ اللَّامِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ ضَبَطَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ: الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَى السَّرْجِ، وَقِيلَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ قَلِعُ الْقَدَمِ بِالْكَسْرِ إِذَا كَانَتْ قَدَمُهُ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ الْحَرْبِ، وَفُلَانٌ قَلِعَةٌ إِذَا كَانَ يَتَقَلَّعُ عَنْ سَرْجِهِ. وَسُئِلَ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي قَوْلِهِ: خَمْسَ مَرَّاتٍ فَقِيلَ: مُبَالَغَةً وَاقْتِصَارًا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute