للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غَزَوْتُ قَبْلَهَا، فَلَوْ أَقَمْتُ عَامِي هَذَا. فَلَمَّا تَذَكَّرَ ذَنْبَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ فِي سَبِيلِكَ. وَفِيهِ أَنَّ الْآخَرَ يَعْنِي هِلَالًا كَانَ لَهُ أَهْلٌ تَفَرَّقُوا ثُمَّ اجْتَمَعُوا فَقَالَ: لَوْ أَقَمْتُ هَذَا الْعَامَ عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا تَذَكَّرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ عَلَيَّ أَنْ لَا أَرْجِعُ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ.

قَوْلُهُ: (وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ) بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي وَاقِفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ.

قَوْلُهُ: (فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا) هَكَذَا وَقَعَ هُنَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ قَرَّرْتُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ. وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّهُمَا شَهِدَا بَدْرًا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَنَسَبَهُ إِلَى الْغَلَطِ فَلَمْ يُصِبْ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَوْنِهِمَا لَمْ يَشْهَدَا بَدْرًا بِمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَهْجُرْهُ وَلَا عَاقَبَهُ مَعَ كَوْنِهِ جَسَّ عَلَيْهِ، بَلْ قَالَ لِعُمَرَ لَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. قَالَ: وَأَيْنَ ذَنْبُ التَّخَلُّفِ مِنْ ذَنْبِ الْجَسِّ؟ قُلْتُ: وَلَيْسَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَدْرِيَّ عِنْدَهُ إِذَا جَنَى جِنَايَةً وَلَوْ كَبُرَتْ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَهَذَا عُمَرُ مَعَ كَوْنِهِ الْمُخَاطَبَ بِقِصَّةِ حَاطِبٍ فَقَدْ جَلَدَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ الْحَدَّ لَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ وَهُوَ بَدْرِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَاقِبِ النَّبِيُّ حَاطِبًا وَلَا هَجَرَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ عُذْرَهُ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَاتَبَ قُرَيْشًا خَشْيَةً عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ عِنْدَهُمْ يَدًا فَعَذَرَهُ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ تَخَلُّفِ كَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ أَصْلًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (لِي فِيهِمَا أسْوَةٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، قَالَ ابْنُ التِّينِ: التَّأَسِّي بِالنَّظِيرِ يَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْآخِرَةِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ﴾ الْآيَةَ.

قَوْلُهُ: (فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا.

قَوْلُهُ: (وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ) بِالرَّفْعِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَيْ مُتَخَصِّصِينَ بِذَلِكَ دُونَ بَقِيَّةِ النَّاسِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ بِالَّتِي أَعْرِفُ) وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْحِيطَانُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْحِيطَانِ الَّتِي نَعْرِفُ، وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ حَتَّى مَا هُمُ الَّذِينَ نَعْرِفُ وَهَذَا يَجِدُهُ الْحَزِينُ وَالْمَهْمُومُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى قَدْ يَجِدُهُ فِي نَفْسِهِ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فَلَا يُصَلِّي رَسُولُ اللَّهِ ، أَوْ يَمُوتُ فَأَكُونُ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا يُصَلَّى عَلَيَّ، وَعِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ: حَتَّى وَجِلُوا أَشَدَّ الْوَجَلِ وَصَارُوا مِثْلَ الرُّهْبَانِ.

قَوْلُهُ: (هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ) لَمْ يَجْزِمْ كَعْبٌ بِتَحْرِيكِ شَفَتَيْهِ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْخَجَلِ.

قَوْلُهُ: (فَأُسَارِقُهُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ أَيْ: أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي خُفْيَةٍ.

قَوْلُهُ: (مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ إِعْرَاضِهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: وَطَفِقْنَا نَمْشِي فِي النَّاسِ، لَا يُكَلِّمُنَا أَحَدٌ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا سَلَامًا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى تَسَوَّرْتُ) أَيْ: عَلَوْتُ سُوَرَ الدَّارِ.

قَوْلُهُ: (جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ) ذَكَرَ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِكَوْنِهِمَا مَعًا مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، وَلَيْسَ هُوَ ابْنَ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ الْأَقْرَبِ.

قَوْلُهُ: (أَنْشُدُكَ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ أَسْأَلُكَ. وَقَوْلُهُ: (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) لَيْسَ هُوَ تَكْلِيمًا لِكَعْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ.

قَوْلُهُ: (وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْحَائِطَ) وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: فَلَمْ أَمْلِكُ نَفْسِي أَنْ بَكَيْتُ، ثُمَّ اقْتَحَمْتُ الْحَائِطَ خَارِجًا.

قَوْلُهُ: (إِذَا نَبَطِيٌّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُوَحَّدَةِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ) نِسْبَةٌ إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَاءِ وَاسْتِخْرَاجِهِ، وَهَؤُلَاءِ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَهْلَ الْفِلَاحَةِ وَهَذَا النَّبَطِيُّ الشَّامِيُّ كَانَ نَصْرَانِيًّا كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: إِذَا نَصْرَانِيٌّ جَاءَ بِطَعَامٍ لَهُ يَبِيعُهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا النَّصْرَانِيِّ، وَيُقَالُ: إِنَّ النَّبَطَ يُنْسَبُونَ إِلَى