للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السَّبِيلِ صَدَقَةً.

٤٤٦٢ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ : وَا كَرْبَ أَبَاهُ فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ، فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ : يَا أَنَسُ أَطَابَتْ نفُوسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ التُّرَابَ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: حَدِيثْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ الْمُصْطَلِقِيُّ أَخُو مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَائِلِ الْوَصَايَا.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: حَدِيثُ أَنَسٍ عَنْ فَاطِمَةَ.

قَوْلُهُ: (وَاكَرْبَ أَبَاهُ) فِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَاكَرْبَاهْ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ لِقَوْلِهِ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهَا لَمْ تَرْفَعْ صَوْتَهَا بِذَلِكَ وَإِلَّا لَكَانَ يَنْهَاهَا.

قَوْلُهُ: (يَا أَبَتَاهْ) كَأَنَّهَا قَالَتْ: يَا أَبِي، وَالْمُثَنَّاةُ بَدَلٌ مِنَ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْأَلِفُ لِلنُّدْبَةِ وَلِمَدِّ الصَّوْتِ وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ.

قَوْلُهُ: (مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ، وَحَكَى الطَّيِّبِيُّ عَنْ نُسْخَةٍ مِنْ الْمَصَابِيحِ بِكَسْرِهَا عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ جَرٍّ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ) قِيلَ: الصَّوَابُ إِلَى جِبْرِيلَ نَعَاهُ، جَزَمَ بِذَلِكَ سِبْطُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِرْآةِ، وَالْأَوَّلُ مُوَجَّهٌ فَلَا مَعْنَى لِتَغْلِيطِ الرُّوَاةِ بِالظَّنِّ وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَارِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: يَا أَبَتَاهُ، مِنْ رَبِّهِ مَا أَدْنَاهُ وَمِثْلُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ ثَابِتٍ بِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا يُعَدُّ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ أَنَّ كَرْبَهُ كَانَ شَفَقَةً عَلَى أُمَّتِهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ وُقُوعِ الْفِتَنِ وَالِاخْتِلَافِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ تَنْقَطِعَ شَفَقَتُهُ عَلَى أُمَّتِهِ بِمَوْتِهِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَأَعْمَالُهُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرْبِ مَا كَانَ يَجِدُهُ مِنْ شِدَّةِ الْمَوْتِ، وَكَانَ فِيمَا يُصِيبُ جَسَدَهُ مِنَ الْآلَامِ كَالْبَشَرِ لِيَتَضَاعَفَ لَهُ الْأَجْرُ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ إِلَخْ) وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ عَنْ فَاطِمَةَ، وَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى عِتَابِهِمْ عَلَى إِقْدَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا عَرَفَتْهُ مِنْهُمْ مِنْ رِقَّةِ قُلُوبِهِمْ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ مَحَبَّتِهِمْ لَهُ، وَسَكَتَ أَنَسٌ عَنْ جَوَابِهَا رِعَايَةً لَهَا وَلِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ: لَمْ تَطِبْ أَنْفُسُنَا بِذَلِكَ، إِلَّا أَنَّا قَهَرْنَاهَا عَلَى فِعْلِهِ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ: وَمَا نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، يُرِيدُ أَنَّهُمْ وَجَدُوهَا تَغَيَّرَتْ عَمَّا عَهِدُوهُ فِي حَيَاتِهِ مِنَ الْأُلْفَةِ وَالصَّفَاءِ وَالرِّقَّةِ؛ لِفِقْدَانِ مَا كَانَ يَمُدُّهُمْ بِهِ مِنَ التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ. وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّوَجُّعِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ احْتِضَارِهِ بِمِثْلِ قَوْلِ فَاطِمَةَ وَاكَرْبَ أَبَاهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النِّيَاحَةِ، لِأَنَّهُ أَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُهَا بَعْدَ أَنْ قُبِضَ وَاأَبَتَاهْ إِلَخْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُتَّصِفًا بِهَا لَا يُمْنَعُ ذِكْرُهُ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَتْ فِيهِ ظَاهِرًا وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ أَوْ لَا يَتَحَقَّقُ اتِّصَافُهُ بِهَا فَيَدْخُلُ فِي الْمَنْعِ، وَنُبِّهَ هُنَا عَلَى أَنَّ الْمِزِّيَّ ذَكَرَ كَلَامَ فَاطِمَةَ هَذَا فِي مُسْنَدِ أَنَسٍ، وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَوَّلُهُ فِي مُسْنَدِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ