يَقُولُونَ: جَبْرَئِيلُ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهِيَ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَخَلَفٍ وَاخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَقِرَاءَةُ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، وَعَلْقَمَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ، وَقِرَاءَةُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ مِثْلُهُ لَكِنْ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُمَا قَرَآ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهَذَا الْوَزْنُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَزَعَمَ بَعْضَهُمْ أَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ: جَبْرَئلُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ وَتَشْدِيدُ اللَّامِ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قُبَيْلَ كِتَابِ الْمَغَازِي، وَتَقَدَّمَ مُعْظَمُ شَرْحِهَا هُنَاكَ.
وَقَوْلُهُ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ من الْمَلَائِكَةِ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ هُوَ الَّذِي قَرَأَ الْآيَةَ رَدًّا لِقَوْلِ الْيَهُودِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نُزُولَهَا حِينَئِذٍ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ قِصَّةً غَيْرَ قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، فَأَخْرَجُوا مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّا نَسْأَلَكُ عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْبَأْتَنَا بِهَا عَرَفْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَاتَّبَعْنَاكَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ - أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَمَّا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَنْ عَلَامَةِ النُّبُوَّةِ، وَعَنِ الرَّعْدِ وَصَوْتِهِ وَكَيْفَ تُذَكَّرُ الْمَرْأَةُ وَتُؤَنَّثُ، وَعَمَّنْ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ مِنَ السَّمَاءِ فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ إِسْرَائِيلُ عَلَى بَنِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ، وَالطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ لَئِنْ أَنَا أَنْبَأْتُكُمْ لَتُبَايِعُنِّي؟ فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ السُّؤَالُ عَنِ الرَّعْدِ.
وَفِي رِوَايَةِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ: لَمَّا سَأَلُوهُ عَمَّنْ يَأْتِيهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالَ: وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ. فَقَالُوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ، لَوْ كَانَ وَلِيُّكَ سِوَاهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَبَايَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ. قَالَ: فَمَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُصَدِّقُوهُ؟ قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا. فَنَزَلَتْ.
وَفِي رِوَايَةِ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ: قَالُوا: جِبْرِيلُ يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْعَذَابِ، لَوْ كَانَ مِيكَائِيلَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالنَّبَاتِ وَالْقَطْرِ فَنَزَلَتْ.
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْتِي الْيَهُودَ فَيَسْمَعُ مِنَ التَّوْرَاةِ فَيَتَعَجَّبُ كَيْفَ تُصَدِّقُ مَا فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: فَمَرَّ بِهِمُ النَّبِيُّ ﷺ فَقُلْتُ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ عَالِمُهُمْ: نَعَمْ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَلِمَ لَا تَتَّبِعُونَهُ؟ قَالُوا: إِنَّ لَنَا عَدُوًّا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَسِلْمًا، وَإِنَّهُ قَرَنَ بِنُبُوَّتِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَدُوَّنَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَأَنَّهُ لَحِقَ النَّبِيَّ ﷺ فَتَلَا عَلَيْهِ الْآيَةَ. وَأَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ. وَأَوْرَدَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ يَهُودِيًّا لَقِيَ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ الَّذِي يَذْكُرُهُ صَاحِبُكُمْ عَدُوٌّ لَنَا. فَقَالَ: عُمَرُ: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ فَنَزَلَتْ عَلَى وَفْقِ مَا قَالَ.
وَهَذِهِ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ قَوْلُ الْيَهُودِيِّ الْمَذْكُورِ لَا قِصَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَدُوُّ الْيَهُودِ، تَلَا عَلَيْهِ الْآيَةَ مُذَكِّرًا لَهُ سَبَبَ نُزُولِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ من ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَبَبَ عَدَاوَةِ الْيَهُودِ لِجِبْرِيلَ أَنَّ نَبِيَّهُمْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ بُخْتَنَصَّرَ سَيُخَرِّبُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَبَعَثُوا رَجُلًا لِيَقْتُلَهُ فَوَجَدَهُ شَابًّا ضَعِيفًا فَمَنَعَهُ جِبْرِيلُ مِنْ قَتْلِهِ وَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَ اللَّهُ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ عَلَى يَدِهِ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَعَلَى أَيِّ حَقٍّ تَقْتُلُهُ؟ فَتَرَكَهُ، فَكَبِرَ بُخْتَنَصَّرَ وَغَزَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَقَتَلَهُمْ وَخَرَّبَهُ، فَصَارُوا يَكْرَهُونَ جِبْرِيلَ لِذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّ الَّذِي خَاطَبَ النَّبِيَّ ﷺ فِي ذَلِكَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا.
وَقَوْلُهُ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ يَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute