بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلَوات الْخَمْسِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ. قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾؟ قَالَ: فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ: إِمَّا قَتَلُوهُ، وَإِمَّا يُعَذِّبُونَهُ، حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ.
٤٥١٥ - قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ؟ قَالَ: أَمَّا عُثْمَانُ فَكَان اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ يعْفُو عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَخَتَنُهُ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ: - هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ سَاقَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
قَوْلُهُ: (أَتَاهُ رَجُلَانِ) تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ أَنَّ اسْمَ أَحَدِهِمَا الْعَلَاءُ بْنُ عِرَارٍ، وَهُوَ بِمُهْمَلَاتٍ، وَاسْمَ الْآخَرِ حِبَّانُ السُّلَمِيُّ صَاحِبُ الدُّثَيْنَةِ، أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ أَنَّ رَجُلًا اسْمُهُ حَكِيمٌ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيَأْتِي شَرْحُ الْحَدِيثِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رِوَايَةَ سَعِيدِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ ذَلِكَ عَامَ نُزُولِ الْحَجَّاجِ، بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِفِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَا وَقَعَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ، وَكَانَ نُزُولُ الْحَجَّاجِ وَهُوَ ابْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ مِنْ قِبَلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، جَهَّزَهُ لِقِتَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ بِمَكَّةَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي آخِرِ تِلْكَ السَّنَةِ، وَمَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِ الْعِيدَيْنِ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ ضُيِّعُوا) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ لِلْأَكْثَرِ، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: صَنَعُوا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: صَنَعُوا مَا تَرَى مِنَ الِاخْتِلَافِ. وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ هُوَ السَّهْمِيُّ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ فِي الْأَحْكَامِ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا. وَقَوْلُهُ: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ اسْمِ فُلَانٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، وَسَيَأْتِي سِيَاقُ لَفْظِ حَيْوَةَ وَحْدَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنِ ابْتِدَائِهِ إِلَى بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - بَصْرِيُّونَ، وَمِنْهُ إِلَى مُنْتَهَاهُ مَدَنِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا وَتَعْتَمِرَ عَامًا وَتَتْرُكَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَطْلَقَ عَلَى قِتَالِ مَنْ يَخْرُجُ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ جِهَادًا وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِهَادِ الْكُفَّارِ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ وَإِنْ كَانَ الصَّوَابُ عِنْدَ غَيْرِهِ خِلَافَهُ، وَأَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ خَاصٌّ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ، بِخِلَافِ قِتَالِ الْبُغَاةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا لَكِنَّهُ لَا يَصِلُ الثَّوَابُ فِيهِ إِلَى ثَوَابِ مَنْ قَاتَلَ الْكُفَّارَ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْحَامِلُ إِيثَارَ الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: (إِمَّا قَتَلُوهُ وَإِمَّا يُعَذِّبُونَهُ) كَذَا فِيهِ، الْأَوَّلُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِكَوْنِهِ إِذَا قُتِلَ ذَهَبَ، وَالثَّانِي بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِأَنَّهُ يَبْقَى أَوْ يَتَجَدَّدُ لَهُ التَّعْذِيبُ.
قَوْلُهُ: (فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ) بِالتَّحْتَانِيَّةِ أَوَّلَهُ وَبِالْإِفْرَادِ إِخْبَارٌ عَنِ اللَّهِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَبِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَالْجَمْعِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (وَخَتَنُهُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ نُونٍ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْأَخْتَانُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ، وَالْأَحْمَاءُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَالصِّهْرُ جَمَعَهُمَا. وَقِيلَ: اشْتُقَّ الْخَتَنُ مِمَّا اشْتُقَّ مِنْهُ الْخِتَانُ، وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ.