شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي تَفْسِيرِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، وَالِاخْتِلَافَ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ.
قَوْلُهُ: (الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ) وَهِيَ الْأَصْنَامُ، فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَالْبَحِيرَةُ فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَهِيَ الَّتِي بُحِرَتْ أُذُنُهَا أَيْ خرِّمَتْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: جَعَلَهَا قَوْمٌ مِنَ الشَّاةِ خَاصَّةً إِذَا وَلَدَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ بَحَرُوا أُذُنَهَا أَيْ شَقُّوهَا وَتُرِكَتْ فَلَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْبَحِيرَةُ النَّاقَةُ كَذَلِكَ، وَخَلَّوْا عَنْهَا فَلَمْ تُرْكَبْ وَلَمْ يَضْرِبْهَا فَحْلٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ فَهَكَذَا أَطْلَقَ نَفْيَ الْحَلْبِ، وَكَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ إِنَّمَا هُوَ الشُّرْبُ الْخَاصُّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانُوا يُحَرِّمُونَ وَبَرَهَا وَلَحْمَهَا وَظَهْرَهَا وَلَبَنَهَا عَلَى النِّسَاءَ وَيُحِلُّونَ ذَلِكَ لِلرِّجَالِ، وَمَا وَلَدَتْ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا، وَإِنْ مَاتَتِ اشْتَرَكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي أَكْلِ لَحْمِهَا. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْبَحِيرَةُ مِنَ الْإِبِلِ كَانَتِ النَّاقَةُ إِذَا نُتِجَتْ خَمْسَ بُطُونٍ فَإِنْ كَانَ الْخَامِسُ ذَكَرًا كَانَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى بُتِكَتْ أُذُنُهَا ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَلَمْ يَجُزُّوا لَهَا وَبَرًا وَلَمْ يَشْرَبُوا لَهَا لَبَنًا وَلَمْ يَرْكَبُوا لَهَا ظَهْرًا، وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَنَقَلَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ الْبَحِيرَةِ هَيْئَاتٍ أُخْرَى تَزِيدُ بِمَا ذَكَرْتُ عَلَى الْعَشْرِ. وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَالْبَحْرُ شَقُّ الْأُذُنِ، كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً لَهَا.
قَوْلُهُ: (وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَتِ السَّائِبَةُ مِنْ جَمِيعِ الْأَنْعَامِ، وَتَكُونُ مِنَ النُّذُورِ لِلْأَصْنَامِ فَتُسَيَّبُ فَلَا تُحْبَسُ عَنْ مَرْعًى وَلَا عَنْ مَاءٍ وَلَا يَرْكَبُهَا أَحَدٌ، قَالَ: وَقِيلَ السَّائِبَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ الْإِبِلِ، كَانَ الرَّجُلُ يَنْذُرُ إِنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ لَيُسَيِّبَنَّ بَعِيرًا، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: السَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَ بَعْضَ إِبِلِهِمْ فَلَا تُمْنَعُ حَوْضًا أَنْ تَشْرَبَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: رَأَيْتُ عمْر بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ، إِلَخْ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ إِيرَادُ الْقَدْرِ الْمَرْفُوعِ مِنَ الْحَدِيثِ فِي أَثْنَاءِ الْمَوْقُوفِ، وَسَأُبَيِّنُ مَا فِيهِ بَعْدُ.
قَوْلُهُ: (وَالْوَصِيلَةُ النَّاقَةُ الْبِكْرُ تُبَكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الْإِبِلِ بِأُنْثَى، ثُمَّ تُثَنِّي بَعْدُ بِأُنْثَى) هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُتَّصِلًا بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَرْفُوعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ بَقِيَّةُ تَفْسِيرِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْمَرْفُوعُ مِنَ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فَقَطْ، وَتَفْسِيرُ الْبَحِيرَةِ وَسَائِرِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلِ رِوَايَةِ الْبَابِ، إِلَّا أَنَّهُ بَعْدَ إِيرَادِ الْمَرْفُوعِ قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: وَالْوَصِيلَةُ النَّاقَةُ إِلَخْ فَأَوْضَحَ أَنَّ التَّفْسِيرَ جَمِيعُهُ مَوْقُوفٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مُفَصَّلًا.
قَوْلُهُ: (أَنْ وَصَلَتْ) أَيْ مِنْ أَجْلِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَتِ السَّائِبَةُ مَهْمَا وَلَدَتْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهَا إِلَى سِتَّةِ أَوْلَادٍ، فَإِنْ وَلَدَتِ السَّابِعَ أُنْثَيَيْنِ تُرِكَتَا فَلَمْ تُذْبَحَا، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا ذُبِحَ وَأَكَلَهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَكَذَا إِذَا وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ، وَإِنْ أَتَتْ بِتَوْأَمٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى سَمَّوُا الذَّكَرَ وَصِيلَةً فَلَا يُذْبَحُ لِأَجْلِ أُخْتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِنْ لَمْ تَلِدْ مَيِّتًا، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْبَطْنِ السَّابِعِ مَيِّتًا أَكَلَهُ النِّسَاءُ دُونَ الرِّجَالِ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْوَصِيلَةُ: الشَّاةُ كَانَتْ إِذَا وَلَدَتْ سَبْعَةً فَإِنْ كَانَ السَّابِعُ ذَكَرًا ذُبِحَ وَأُكِلَ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى تُرِكَتْ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا وَأُنْثَى قَالُوا: وَصَلَتْ أَخَاهَا فَتُرِكَ وَلَمْ يُذْبَحْ.
قَوْلُهُ: (وَالْحَامِ فَحْلُ الْإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ إِلَخْ) وَكَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَامِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ وَلَدِ السَّائِبَةِ. وَقَالَ أَيْضًا: كَانُوا إِذَا ضَرَبَ فَحْلٌ مِنْ وَلَدِ الْبَحِيرَةِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ حَامٍ، وَقَالَ أَيْضًا: الْحَامُ مِنْ فُحُولِ الْإِبِلِ خَاصَّةً إِذَا نَتَجُوا مِنْهُ عَشَرَةَ أَبْطُنٍ قَالُوا: قَدْ حَمَى ظَهْرَهُ، فَأحْمَوْا ظَهْرَهُ وَوَبَرَهُ وَكُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَمْ يُرْكَبْ وَلَمْ يُطْرَقْ، وَعُرِفَ بِهَذَا بَيَانُ الْعَدَدِ الْمُبْهَمِ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ. وَقِيلَ الْحَامِ فَحْلُ الْإِبِلِ إِذَا رُكِبَ وَلَدُ وَلَدِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute