﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ لَا تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أعير بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا أُقَاتِلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أعير بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ إِلَى آخِرِهَا، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ: إِمَّا يَقْتُلُوهُ وَإِمَّا يُوثِقُوهُ، حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِيمَا يُرِيدُ قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا قَوْلِي فِي عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ؟ أَمَّا عُثْمَانُ فَكَانَ اللَّهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَخَتَنُهُ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ - وَهَذِهِ ابْنَتُهُ أَوْ بِنْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ.
٤٦٥١ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا بَيَانٌ أَنَّ وَبَرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا أَوْ إِلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ رَجُلٌ كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ فَقَالَ وَهَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ كَانَ مُحَمَّدٌ ﷺ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْك"
قَوْلُهُ: بَابُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ سَقَطَ بَابُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى) هُوَ الْبُرُلُّسِيُّ يُكَنَّى أَبَا يَحْيَى، صَدُوقٌ، أَدْرَكَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَكِنْ رَوَى عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ هُنَا، وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَتْحِ فَقَطْ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى حَالِ بَقِيَّةِ الْإِسْنَادِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ) تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَا أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ حَيَّانُ صَاحِبُ الدِّثِنِّيَّةِ، وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ فِي فَوَائِدِهِ أَنَّهُ الْهَيْثَمُ بْنُ حَنَشٍ وَقِيلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ، وَسَأَذْكُرُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ قَوْلًا آخَرَ، وَلَعَلَّ السَّائِلِينَ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، أَوْ تَعَدَّدَتِ الْقِصَّةُ.
قَوْلُهُ: (فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ لَا تُقَاتِلَ) لَا زَائِدَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ﴾ قَوْلُهُ: (أُعَيرُ) بِمُهْمَلَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلِغَيْرِهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ فِيهِمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّائِلَ كَانَ يَرَى قِتَالَ مَنْ خَالَفَ الْإِمَامَ الَّذِي يَعْتَقِدُ طَاعَتُهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى تَرْكَ الْقِتَالِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُلْكِ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ.
قَوْلُهُ: (فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا يَقْتُلُوهُ وَإِمَّا يُوثِقُوهُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، فَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّهُ غَلَطٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ بِإِثْبَاتِ النُّونِ فِيهِمَا لِأَنَّ إِمَّا الَّتِي تَجْزِمُ هِيَ الشَّرْطِيَّةُ وَلَيْسَتْ هُنَا شَرْطِيَّةٌ. قُلْتُ: وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ، وَوُجِّهَتْ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ بِأَنَّ النُّونَ قَدْ تُحْذَفُ بِغَيْرِ نَاصِبٍ وَلَا جَازِمَ فِي لُغَةٍ شَهِيرَةٍ، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ بِلَفْظِ إِمَّا تُعَذِّبُوهُ وَإِمَّا تَقْتُلُوهُ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ هُنَاكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ فَيُؤَيِّدُ أَنَّ السَّائِلَ مِنَ الْخَوَارِجِ. فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ الشَّيْخَيْنِ وَيَحُطُّونَ عُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، فَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ بِذِكْرِ مَنَاقِبِهِمَا وَمَنْزِلَتِهِمَا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَالِاعْتِذَارُ عَمَّا عَابُوا بِهِ عُثْمَانَ مِنَ الْفِرَارِ يَوْمَ أُحُدٍ فَإِنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ عَفَا عَنْهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ سُؤَالُ السَّائِلِ لِابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَابَ عَنْ بَدْرٍ وَعَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَبَيَانُ ابْنِ عُمَرَ لَهُ عُذْرُ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ السَّائِلَ هُنَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute