مِنَ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِفَةِ الرِّجَالِ فَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، يُقَالُ: رَجُلٌ خَالِفَةٌ لَا خَيْرَ فِيهِ: وَالْأَصْلُ فِي جَمْعِهِ بِالنُّونِ. وَاسْتَدْرَكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَاهِلٌ وَكَوَاهِلُ وَجَائِحٌ وَجَوَائِحُ وَغَارِبٌ وَغَوَارِبُ وَغَاشٍ وَغَوَاشٍ، وَلَا يَرِدُ شَيْءٌ مِنْهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَيْسَا مِنْ صِفَاتِ الْآدَمِيِّينَ، وَالْآخَرَانِ جَمْعُ غَارِبٍ وَغَاشِيَةٌ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ إِنْ وُصِفَ بِهَا الْمُذَكَّرُ، وَقَدْ قَالَ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ: وَإِذَا الرِّجَالُ رَأَوْا يَزِيدَ رَأَيْتُهُمْ … خُضُعَ الرِّقَابِ نَوَاكِسَ الْأَذْقَانِ
احْتَاجَ الْفَرَزْدَقُ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ فَأَجْرَى نَوَاكِسَ عَلَى أَصْلِهِ، وَلَا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا أَبَدًا إِلَّا فِي ضَرُورَةٍ، وَلَا تَجْمَعُ النُّحَاةُ مَا كَانَ مِنْ فَاعِلٍ نَعْتًا عَلَى فَوَاعِلَ لِئَلَّا يَلْتَبِسُ بِالْمُؤَنَّثِ، وَلَمْ يَأْتِ ذَا إِلَّا فِي حَرْفَيْنِ فَارِسٍ وَفَوَارِسَ، وَهَالِكٍ وَهَوَالِكَ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَرْدِ فَأُمِنَ فِيهِ اللَّبْسُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْمِثْلِ يَقُولُونَ هَالِكٌ فِي الْهَوَالِكِ فَأَجْرَوْهُ عَلَى أَصْلِهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. قُلْتُ: فَظَهَرَ أَنَّ الضَّابِطَ فِي هَذَا أَنْ يُؤْمَنَ اللَّبْسُ أَوْ يَكْثُرَ الِاسْتِعْمَالُ أَوْ تَكُونُ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ يَكُونُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْخَوَالِفُ النِّسَاءُ، وَيُقَالُ خِسَاسُ النِّسَاءِ وَرَذَالَتُهُمْ، وَيُقَالُ فُلَانٌ خَالفَه أَهْلِهِ إِذَا كَانَ دَيِّنًا فِيهِمْ. وَالْمُرَادُ بِالْخَوَالِفِ فِي الْآيَةِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ الْعَاجِزُونَ وَالصِّبْيَانُ، فَجُمِعَ جَمْعَ الْمُؤَنَّثِ تَغْلِيبًا لِكَوْنِهِنَّ أَكْثَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِنَّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ فَجُمِعَ جَمْعَ الذُّكُورِ تَغْلِيبًا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ.
قَوْلُهُ: (الْخَيْرَاتُ وَاحِدُهَا خَيْرَةٌ وَهِيَ الْفَوَاضِلُ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ﴾ جَمْعُ خَيْرَةٍ وَمَعْنَاهَا الْفَاضِلَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: ﴿مُرْجَوْنَ﴾ مُؤَخَّرُونَ) سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ.
قَوْلُهُ: (الشَّفَا: الشَّفِيرُ وَهُوَ حَدُّهُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَهُوَ حَرْفُهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْجُرُفُ مَا تَجَرَّفَ مِنَ السُّيُولِ وَالْأَوْدِيَةِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَلَى شَفَا جُرُفٍ﴾ الشَّفَا الشَّفِيرُ، وَالْجُرُفُ مَا لَمْ يُبْنَ مِنَ الرَّكَايَا، قَالَ: وَالْآيَةُ عَلَى التَّمْثِيلِ لِأَنَّ الَّذِي يَبْنِي عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ عَلَى شَفَا جُرُفٍ وَهُوَ مَا تَجَرَّفَ مِنَ السُّيُولِ وَالْأَوْدِيَةِ وَلَا يَثْبُتُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: ﴿هَارٍ﴾ هَائِرٍ، تَهَوَّرَتِ الْبِئْرُ إِذَا انْهَدَمَتْ، وَانْهَارَ مِثْلُهُ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَارٍ﴾ أَيْ هَائِرٍ: وَالْعَرَبُ تَنْزِعُ الْيَاءَ الَّتِي فِي الْفَاعِلِ، وَقِيلَ لَا قَلْبَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى سَاقِطٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي آلِ عِمْرَانَ.
قَوْلُهُ: ﴿لأَوَّاهٌ﴾ شَفَقًا وَفَرَقًا، قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ … تَأَوَّهَ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ﴾ هُوَ فَعَّالٌ مِنَ التَّأَوُّهِ وَمَعْنَاهُ مُتَضَرِّعٌ شَفَقًا وَفَرَقًا لِطَاعَةِ رَبِّهِ، قَالَ الشَّاعِرُ فَذَكَرَهُ. وَقَوْلُهُ أَرْحَلُهَا هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَوْلُهُ آهَةَ بِالْمَدِّ لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ بِلَا مَدٍّ.
(تَنْبِيهٌ) هَذَا الشِّعْرُ لِلْمُثَقِّبِ الْعَبْدِيِّ وَاسْمُهُ جِحَاشُ بْنُ عَائِذٍ، وَقِيلَ ابْنُ نَهَارٍ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ قَصِيدَةٍ أَوَّلُهَا:
أَفَاطِمُ قَبْلَ بَيْنِكِ مَتِّعِينِي … وَمَنْعِكِ مَا سَأَلْتُ كأَنْ تَبِينِي
وَلَا تَعِدِي مَوَاعِدَ كَاذِبَاتٍ … تَمُرُّ بِهَا رِيَاحُ الصَّيْفِ دُونِي
فَإِنِّي لَوْ تُخَالِفُنِي شِمَالِي … لَمَا أَتْبَعْتُهَا أَبَدًا يَمِينِي
وَيَقُولُ فِيهَا:
فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بِحَقٍّ … فَأَعْرِفُ مِنْكَ غَثِّي مِنْ سَمِينِي