للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَرَسُولُهُ أَعْلَم"

قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِهِ ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَرِوَايَةُ غَيْرِهِ مُخْتَصَرَةٌ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ) ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ ثُمَّ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِمْ مِنْ تَبُوكَ وَذَلِكَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ، وَكَانَتْ مُدَّةُ مَرَضِهِ عِشْرِينَ يَوْمًا ابْتِدَاؤُهَا مِنْ لَيَالٍ بَقِيَتْ مِنْ شَوَّالٍ، قَالُوا: وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ هُوَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا﴾ وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ ابْنِ التِّينِ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةِ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ تَقْرِيرِ الْأَحْكَامِ.

قَوْلُهُ: (جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ: لَمَّا احْتُضِرَ عَبْدُ اللَّهِ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَبِي قَدِ احْتُضِرَ فَأُحِبُّ أَنْ تَشْهَدَهُ وَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ، قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: الْحُبَابُ - يَعْنِي بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُخَفَّفًا - قَالَ: بَلْ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ، الْحُبَابُ اسْمُ الشَّيْطَانِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ هَذَا مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَمِنْ مَنَاقِبِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ بَعْضُ مَقَالَاتِ أَبِيهِ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِهِ، قَالَ: بَلْ أَحْسِنْ صُحْبَتَهُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ نَحْوَهُ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يُدْرِكْهُ وَكَأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ أَمْرَ أَبِيهِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ؛ فَلِذَلِكَ الْتَمَسَ مِنَ النَّبِيِّ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِعَهْدِ مِنْ أَبِيهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَالطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أُبَيٍّ إِلَى النَّبِيِّ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: أَهْلَكَكَ حُبُّ يَهُودٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ

لِتَسْتَغْفِرَ لِي وَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ لِتُوَبِّخَنِي، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفَّنَ فِيهِ فَأَجَابَهُ، وَهَذَا مُرْسَلٌ مَعَ ثِقَةِ رِجَالِهِ، وَيُعَضِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَهُ النَّبِيُّ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ: قَدْ فَهِمْتُ مَا تَقُولُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ فَكَفِّنِّي فِي قَمِيصِكَ وَصَلِّ عَلَيَّ فَفَعَلَ، وَكَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ أَرَادَ بِذَلِكَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ وَلَدِهِ وَعَشِيرَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَظْهَرَ الرَّغْبَةَ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ ، وَوَقَعَتْ إِجَابَتُهُ إِلَى سُؤَالِهِ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ إِلَى أَنْ كَشَفَ اللَّهُ الْغِطَاءَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَجْوِبَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ ثَانِي حَدِيثِ الْبَابِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَامَ إِلَيْهِ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى مِثْلِ قَوْلِهِ: ﴿لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ وَإِلَى مِثْلِ قَوْلِهِ: ﴿لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ﴾ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ الْمُنَافِقِينَ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِطْلَاقُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَقَدِ اسْتُشْكِلَ جِدًّا حَتَّى أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: هَذَا وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ، وَعَاكَسَهُ غَيْرُهُ فَزَعَمَ أَنَّ عُمَرَ اطَّلَعَ عَلَى نَهْيٍ خَاصٍّ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي خَاطِرِ عُمَرَ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْإِلْهَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾

قُلْتُ: الثَّانِي يَعْنِي مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ أَقْرَبُ مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمِ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ