(تَنْبِيهٌ): قَرَأَ الْجُمْهُورُ ﴿جُذَاذًا﴾ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَهُوَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمُكَسَّرِ كَالْحُطَامِ فِي الْمُحَطَّمِ، وَقِيلَ جَمْعُ جُذَاذَةٍ كَزُجَاجٍ وَزُجَاجَةٍ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ فَقِيلَ هُوَ جَمْعُ جَذِيذٍ كَكِرَامٍ وَكَرِيمٍ، فِيهَا قِرَاءَاتٌ أُخْرَى فِي الشَّوَاذِّ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْحَسَنُ: ﴿فِي فَلَكٍ﴾ مِثْلُ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ) وَصَلَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ مِثْلُ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ.
قَوْلُهُ: ﴿يَسْبَحُونَ﴾ يَدُورُونَ) وَصَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ قَالَ: يَدُورُونَ حَوْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ ﴿فِي فَلَكٍ﴾ كَهَيْئَةِ حَدِيدَةِ الرَّحَى ﴿يَسْبَحُونَ﴾ يَجْرُونَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ يَسْبَحُونَ لِأَنَّ السِّبَاحَةَ مِنْ أَفْعَالِ الْآدَمِيِّينَ فَذُكِرَتْ بِالنُّونِ مِثْلُ ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿نَفَشَتْ﴾ رَعَتْ لَيْلًا) سَقَطَ لَيْلًا لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ، وَقَدْ وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهَذَا وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ: نَفَشَتْ إِذَا رَعَتْ لَيْلًا بِلَا رَاعٍ، وَإِذَا رَعَتْ نَهَارًا بِلَا رَاعٍ قِيلَ هَمَلَتْ.
قَوْلُهُ: ﴿يُصْحَبُونَ﴾ يُمْنَعُونَ) وَصَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ قَالَ: يُمْنَعُونَ. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يُمْنَعُونَ قَالَ: يُنْصَرُونَ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: ﴿أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾: دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ) قَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ﴾ قَالَ: دِينُكُمْ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ حَطَبٌ بِالْحَبَشَةِ) سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَرَوَى الْفَرَّاءُ بِإِسْنَادَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا قَرَآ حَطَبٌ بِالطَّاءِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا بِالضَّادِ السَّاقِطَةِ الْمَنْقُوطَةِ قَالَ وَهُوَ مَا هُيِّجَتْ بِهِ النَّارُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ غَيْرُهُ: أَحَسُّوا تَوَقَّعُوا مِنْ أَحْسَسْتُ) كَذَا لَهُمْ وَلِلنَّسَفِيِّ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: أَحَسُّوا إِلَخْ، وَمَعْمَرٌ هَذَا هُوَ بِالسُّكُونِ وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى اللُّغَوِيُّ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ نَقْلَ كَلَامِهِ، فَتَارَةً يُصَرِّحُ بِعَزْوِهِ وَتَارَةً يُبْهِمُهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ لَقُوهُ يُقَالُ هَلْ أَحْسَسْتُ فُلَانًا أَيْ هَلْ وَجَدْتُهُ، وَهَلْ أَحْسَسْتُ مِنْ نَفْسِكَ ضَعْفًا أَوْ شَرًّا.
قَوْلُهُ: ﴿خَامِدِينَ﴾ هَامِدِينَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَوْلِهِ: ﴿حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾ مَجَازُ خَامِدٍ أَيْ هَامِدٍ، كَمَا يُقَالُ لِلنَّارِ إِذَا طُفِّئَتْ خَمَدَتْ، قَالَ: وَالْحَصِيدُ الْمُسْتَأْصَلُ، وَهُوَ يُوصَفُ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعُ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ كَأَنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى الْمَصْدَرِ، قَالَ: وَمِثْلُهُ ﴿كَانَتَا رَتْقًا﴾ وَمِثْلُهُ ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا﴾
قَوْلُهُ: (وَالْحَصِيدُ مُسْتَأْصَلٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ حَصِيدًا مُسْتَأْصَلًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ كَمَا ذَكَرْتُهُ قَبْلُ.
(تَنْبِيهٌ): هَذِهِ الْقِصَّةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ حَضُورٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، قَرْيَةٌ بِصَنْعَاءَ مِنْ الْيَمَنِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ. وَقِيلَ بِنَاحِيَةِ الْحِجَازِ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ، بُعِثَ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ مِنْ حِمْيَرَ يُقَالُ لَهُ شُعَيْبٌ وَلَيْسَ صَاحِبُ مَدْيَنَ بَيْنَ زَمَنِ سُلَيْمَانَ وَعِيسَى فَكَذَّبُوهُ فَقَصَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، ذَكَرَهُ الْكَلْبِيُّ. وَقَدْ رَوَى قِصَّتَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ.
قَوْلُهُ: ﴿وَلا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ لَا يَعِيبُونَ، وَمِنْهُ حَسِيرٌ وَحَسَرْتُ بَعِيرِي) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا، وَكَذَا رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ قَالَ: لَا يَعِيبُونَ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ يَعْيَوْنَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ووهاه ابْنُ التِّينِ وَقَالَ: هُوَ مِنْ أُعْيِيَ أَيِ الصَّوَابُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ.
قَوْلُهُ: ﴿عَمِيقٍ﴾ بَعِيدٌ) كَذَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَكَأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِجَاجًا وَجَاءَ فِي الَّتِي بَعْدَهَا ﴿مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ كَأَنَّهُ اسْتَطْرَدَ مِنْ هَذِهِ لِهَذِهِ أَوْ كَانَ فِي طُرَّةٍ فَنَقَلَهَا النَّاسِخُ إِلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا.
قَوْلُهُ: ﴿نُكِسُوا﴾ رُدُّوا) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ﴾ أَيْ قُلِبُوا، وَتَقُولُ نَكَسْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ إِذَا قَهَرْتَهُ. وَقَالَ