للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَجْرِبَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَتْ لِحَاجَتِهَا تَسْتَصْحِبُ كَمَا سَيَأْتِي فِي قِصَّتِهَا مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ، وَقَوْلُهُ: فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي بِالتَّخْفِيفِ أَيْ قَصَدْتُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ هُنَا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْأُولَى، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ قَالَ ابْنُ التِّينِ: هَذَا عَلَى أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ انْتَهَى. فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ فَتَيَمَّمْتُ.

قَوْلُهُ: (وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَنِي) فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ سَيَفْقِدُونِي بِنُونٍ وَاحِدَةٍ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ حُذِفَتْ تَخْفِيفًا أَوْ هِيَ مُثَقَّلَةٌ.

قَوْلُهُ: (فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَيَرْجِعُوا بِغَيْرِ نُونٍ وَكَأَنَّهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَحْذِفُهَا مُطْلَقًا. قَالَ عِيَاضٌ: الظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهِ، فَإِنَّهُمْ أَقَامُوا إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَمْ يَرْجِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي كَانَتْ بِهِ وَلَا نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا لَاقَاهَا فِي الطَّرِيقِ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا اسْتَمَرُّوا فِي السَّيْرِ إِلَى قُرْبِ الظُّهْرِ، فَلَمَّا نَزَلُوا إِلَى أَنْ يَشْتَغِلُوا بِحَطِّ رِحَالِهِمْ وَرَبْطِ رَوَاحِلِهِمْ وَاسْتَصْحَبُوا حَالَهُمْ فِي ظَنِّهِمْ أَنَّهَا فِي هَوْدَجِهَا لَمْ يَفْتَقِدُوهَا إِلَى أَنْ وَصَلَتْ عَلَى قُرْبٍ، وَلَوْ فَقَدُوهَا لَرَجَعُوا كَمَا ظَنَّتْهُ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَعَرَفْتُ أَنْ لَوِ افْتَقَدُونِي لَرَجَعُوا إِلَيَّ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا لَمْ تَتَّبِعْهُمْ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ فَجِئْتُ فَاتَّبَعْتُهُمْ حَتَّى أَعْيَيْتُ، فَقُمْتُ عَلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ فَمَرَّ بِي صَفْوَانُ وَهَذَا السِّيَاقُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ وَأَنَّهَا أَقَامَتْ فِي مَنْزِلِهَا إِلَى أَنْ أَصْبَحَتْ، وَكَأَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهَا أَنْ تَتْبَعَهُمْ فَلَا تَأْمَنُ أَنْ يَخْتَلِفَ عَلَيْهَا الطُّرُقُ فَتَهْلَكَ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَهُمْ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ كَانَتْ فِي اللَّيْلِ، أَوْ تُقِيمَ فِي مَنْزِلِهَا لَعَلَّهُمْ إِذَا فَقَدُوهَا عَادُوا إِلَى مَكَانِهَا الَّذِي فَارَقُوهَا فِيهِ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ فَقَدْ شَيْئًا أَنْ يَرْجِعَ بِفِكْرِهِ الْقَهْقَرَى إِلَى الْحَدِّ الَّذِي يَتَحَقَّقُ وُجُودَهُ ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْ هُنَاكَ فِي التَّنْقِيبِ عَلَيْهِ.

وَأَرَادَتْ بِمَنْ يَفْقِدُهَا مَنْ هُوَ مِنْهَا بِسَبَبٍ كَزَوْجِهَا أَوْ أَبِيهَا، وَالْغَالِبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسَايِرَ بَعِيرَهَا وَيَتَحَدَّثُ مَعَهَا فَكَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَّفِقْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَلَمَّا لَمْ يَتَّفِقْ مَا تَوَقَّعَتْهُ مِنْ رُجُوعِهِمْ إِلَيْهَا سَاقَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَنْ حَمَلَهَا بِغَيْرِ حَوْلٍ مِنْهَا وَلَا قُوَّةٍ.

قَوْلُهُ: (فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ)، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ النَّوْمِ شِدَّةُ الْغَمِّ الَّذِي حَصَلَ لَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَمِنْ شَأْنِ الْغَمِّ - وَهُوَ وُقُوعُ مَا يُكْرَهُ - غَلَبَةُ النَّوْمِ، بِخِلَافِ الْهَمِّ وَهُوَ تَوَقُّعُ مَا يُكْرَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي السَّهَرَ، أَوْ لِمَا وَقَعَ مِنْ بَرْدِ السَّحَرِ لَهَا مَعَ رُطُوبَةِ بَدَنِهَا وَصِغَرِ سِنِّهَا. وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فَتَلَفَّفْتُ بِجِلْبَابِي ثُمَّ اضْطَجَعْتُ فِي مَكَانِي أَوْ أَنَّ اللَّهَ لَطَفَ بِهَا فَأَلْقَى عَلَيْهَا النَّوْمَ لِتَسْتَرِيحَ مِنْ وَحْشَةِ الِانْفِرَادِ فِي الْبَرِّيَّةِ بِاللَّيْلِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ (السُّلَمِيُ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ (ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ) مَنْسُوبٌ إِلَى ذَكْوَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بُهْثَةَ - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ - ابْنُ سُلَيْمٍ، وَذَكْوَانُ بَطْنٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَكَانَ صَحَابِيًّا فَاضِلًا أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ الْخَنْدَقُ وَعِنْدَ ابْنِ الْكَلْبِيِّ الْمُرَيْسِيعُ، وَسَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ، وَيَأْتِي أَيْضًا بَعْدَ خَمْسَةَ أَبْوَابٍ قَوْلُ عَائِشَةَ إِنَّهُ قُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمُرَادُهَا أَنَّهُ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ اسْتُشْهِدَ فِي غَزَاةِ أَرْمِينِيَّةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: بَلْ عَاشَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِ وَخَمْسِينَ فَاسْتُشْهِدَ بِأَرْضِ الرُّومِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ.

قَوْلُهُ: (مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ وَعَرَّسَ بِمُهْمَلَاتٍ مُشَدَّدًا أَيْ نَزَلَ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: التَّعْرِيسُ: النُّزُولُ فِي السَّفَرِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَصْلُهُ النُّزُولُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فِي السَّفَرِ لِلرَّاحَةِ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بَيَانُ سَبَبِ تَأَخُّرِ صَفْوَانَ وَلَفْظُهُ سَأَلَ النَّبِيُّ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى السَّاقَةِ فَكَانَ إِذَا رَحَلَ النَّاسُ قَامَ يُصَلِّي ثُمَّ اتَّبَعَهُمْ فَمَنْ سَقَطَ لَهُ شَيْءٌ أَتَاهُ بِهِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَانَ صَفْوَانُ يَتَخَلَّفُ عَنِ النَّاسِ فَيُصِيبُ الْقَدَحَ وَالْجِوابَ