مُوعِزِينَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَزَايٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّهُ مِنْ وَعَزْتُ إِلَى فُلَانٍ بِكَذَا أَيْ تَقَدَّمْتُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ: وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ غَلَطٌ. قُلْتُ: وَرُوِيَ مُغَوِّرِينَ بِتَقْدِيمِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَالتَّغْوِيرُ النُّزُولُ وَقْتَ الْقَائِلَةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ مُعَرِّسِينَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ. وَالتَّعْرِيسُ نُزُولُ الْمُسَافِرِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِي النُّزُولِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.
قَوْلُهُ: (فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: مُوغِرِينَ، فَإِنَّ نَحْرَ الظَّهِيرَةِ أَوَّلُهَا وَهُوَ وَقْتُ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَنَحْرُ كُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُهُ كَأَنَّ الشَّمْسَ لَمَّا بَلَغَتْ غَايَتَهَا فِي الِارْتِفَاعِ كَأَنَّهَا وَصَلَتْ إِلَى النَّحْرِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الصَّدْرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَلَا افْتُقِدْتُ حَتَّى نَزَلُوا وَاطْمَأَنُّوا طَلَعَ الرَّجُلُ يَقُودُنِي.
قَوْلُهُ: (فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ) زَادَ صَالِحٌ فِي رِوَايَتِهِ فِي شَأْنِي وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ فَهُنَالِكَ قَالَ فِيَّ وَفِيهِ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَأَبْهَمَتِ الْقَائِلَ وَمَا قَالَ. وَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِالْإِفْكِ وَخَاضُوا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا أَسْمَاؤُهُمْ فَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ. وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: لَمْ يُسَمِّ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ أَيْضًا غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ إِلَّا حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحَ بْنَ أُثَاثَةَ وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ فِي نَاسٍ آخَرِينَ لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. انْتَهَى. وَالْعُصْبَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فِي عَدَدٍ، وَزَادَ أَبُو الرَّبِيعِ بْنِ سَالِمٍ فِيهِمْ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ بْنِ دِحْيَةَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا أَحْمَدَ ابْنَا جَحْشٍ، وَزَادَ فِيهِمُ الزَّمَخْشَرِيُّ، زَيْدَ بْنَ رِفَاعَةَ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ حَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى يَتِيمَيْنِ كَانَا عِنْدَهُ خَاضَا فِي أَمْرِ عَائِشَةَ أَحَدُهُمَا مِسْطَحٌ انْتَهَى، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ رَفِيقِ مِسْطَحٍ، وَأَمَّا الْقَوْلُ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: فَجَرَ بِهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَأَعَانَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، وَشَاعَ ذَلِكَ فِي الْعَسْكَرِ. وَفِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: وَقَذَفَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ: مَا بَرِئَتْ عَائِشَةُ مِنْ صَفْوَانَ، وَلَا بَرِئَ مِنْهَا وَخَاضَ بَعْضُهُمْ وَبَعْضُهُمْ أَعْجَبَهُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) أَيْ تَصَدَّى لِذَلِكَ وَتَقَلَّدَهُ، وَكَبَّرَهُ أَيْ كَبَّرَ الْإِفْكَ وَكِبْرَ الشَّيْءَ مُعْظَمُهُ وَهُوَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِكَسْرِ الْكَافِ، وَقَرَأَ حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ بِضَمِّهَا قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهِيَ قِرَاءَةٌ جَيِّدَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى الَّذِي تَوَلَّى إِثْمَهُ.
قَوْلُهُ: (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ) تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ، وَقَدْ بَيَّنْتُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ، وَقَدِ اقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ مِنْ قِصَّةِ الْإِفْكِ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ نَقْلُ الْخِلَافِ فِي الْمُرَادِ بِالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ فِي الْآيَةِ، وَوَقَعَ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيَتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ - بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْقَافِ - وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ، أَيْ يَسْتَخْرِجُهُ بِالْبَحْثِ عَنْهُ وَالتَّفْتِيشِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ يقرَه بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْقَافِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي رِجَالٍ مِنَ الْخَزْرَجِ.
قَوْلُهُ: (فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَقَدِ انْتَهَى الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِلَى أَبَوَيَّ وَلَا يَذْكُرُونَ لِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَفِيهَا أَنَّهَا مَرِضَتْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا وَقَعَ فِي مُرْسَلِ مُقَاتِلِ ابْنِ حَيَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ أَهْلِ الْإِفْكِ، وَكَانَ شَدِيدُ الْغَيْرَةِ قَالَ: لَا تَدْخُلُ عَائِشَةُ رَحْلِي، فَخَرَجَتْ تَبْكِي حَتَّى أَتَتْ أَبَاهَا فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ أَنْ أُخْرِجَكِ فَانْطَلَقَتْ تَجُولُ لَا يُؤْوِيهَا أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ مَعَ ظُهُورِ نَكَارَتِهِ لِإِيرَادِ الْحَاكِمِ لَهُ فِي الْإِكْلِيلِ وَتَبِعَهُ بَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute