عَائِشَةُ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي) حَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ ذَكَرَ أَنَّ الْمُدَّةَ كَانَتْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فَأَلْغَى الْكَسْرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ ابْنِ حَزْمٍ: أَنَّ الْمُدَّةَ كَانَتْ خَمْسِينَ يَوْمًا أَوْ أَزْيَدَ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّهَا الْمُدَّةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُدُومِهِمْ الْمَدِينَةَ وَنُزُولُ الْقُرْآنِ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ، وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالشَّهْرِ فَهُوَ الْمُدَّةُ الَّتِي أَوَّلُهَا إِتْيَانُ عَائِشَةَ إِلَى بَيْتِ أَبَوَيْهَا حِينَ بَلَغَهَا الْخَبَرَ.
قَوْلُهُ: (فَتَشَهَّدَ) فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا) هُوَ كِنَايَةٌ عَمَّا رُمِيَتْ بِهِ مِنَ الْإِفْكِ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ التَّصْرِيحَ، فَلَعَلَّ الْكِنَايَةَ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ ﷺ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ قَدْ كَانَ مَا بَلَغَكَ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ، فَاتَّقِ اللَّهَ، وَإِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا فَتُوبِي.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ) أَيْ بِوَحْيٍ يُنَزِّلُهُ بِذَلِكَ قُرْآنًا أَوْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ) أَيْ وَقَعَ مِنْكِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْإِلْمَامِ، وَمِنْهُ:
أَلَمَّتْ بِنَا وَاللَّيْلُ مُرْخٍ سُتُورَهُ
قَوْلُهُ: (فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: ثُمَّ تُوبِي إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ: إِنَّمَا أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ إِنْ كُنْتِ أَخْطَأْتِ فَتُوبِي.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: أَمَرَهَا بِالِاعْتِرَافِ وَلَمْ يَنْدُبْهَا إِلَى الْكِتْمَانِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ وَغَيْرِهِنَّ، فَيَجِبُ عَلَى أَزْوَاجِهِ الِاعْتِرَافُ بِمَا يَقَعُ مِنْهُنَّ وَلَا يَكْتُمْنَهُ إِيَّاهُ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِنَبِيٍّ إِمْسَاكُ مَنْ يَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ، بِخِلَافِ نِسَاءِ النَّاسِ؛ فَإِنَّهُنَّ نُدِبْنَ إِلَى السَّتْرِ. وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالِاعْتِرَافِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَغْفِرَ اللَّهِ وَتَتُوبُ إِلَيْهِ، أَيْ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا، فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْأَمْرِ لَهَا بِأَنْ تَعْتَرِفَ عِنْدَ النَّاسِ بِذَلِكَ، وَسِيَاقُ جَوَابِ عَائِشَةَ يُشْعِرُ بِمَا قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ، لَكِنَّ الْمُعْتَرِفُ عِنْدَهُ لَيْسَ إِطْلَاقُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَ عِيَاضٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ حَاطِبٍ قَالَتْ: فَقَالَ أَبِي: إِنْ كُنْتِ صَنَعْتِ شَيْئًا فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَإِلَّا فَأَخْبِرِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِعُذْرِكِ.
قَوْلُهُ: (قَلَصَ دَمْعِي) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ، أَيِ: اسْتَمْسَكَ نُزُولُهُ فَانْقَطَعَ، وَمِنْهُ قَلَصَ الظِّلُّ وَتَقَلَّصَ إِذَا شُمِّرَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: سَبَبُهُ أَنَّ الْحُزْنَ وَالْغَضَبَ إِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا فُقِدَ الدَّمْعُ لِفَرْطِ حَرَارَةِ الْمُصِيبَةِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى مَا أُحِسُّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ: أَجِدُ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيمَا قَالَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ) قِيلَ: إِنَّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ لِأَبِيهَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا وَقَعَ عَمَّا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ وَهُوَ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ قَالَتْهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا لَمْ يَقَعْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي الْبَاطِنِ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ هُوَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: بَرِّئْنِي بِمَا شِئْتَ وَأَنْتَ عَلَى ثِقَةٍ مِنَ الصِّدْقِ فِيمَا تَقُولُ، وَإِنَّمَا أَجَابَهَا أَبُو بَكْرٍ بِقَوْلِهِ: لَا أَدْرِي؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَثِيرُ الِاتِّبَاعِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَأَجَابَ بِمَا يُطَابِقُ السُّؤَالَ فِي الْمَعْنَى، وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَتَحَقَّقُ بَرَاءَتَهَا لَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُزَكِّيَ وَلَدَهُ. وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ أُمِّهَا: لَا أَدْرِي. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْآتِيَةُ: فَقَالَ: مَاذَا أَقُولُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ، هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَالْوَحْيُ يَأْتِيهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ: قُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ) قَالَتْ هَذَا تَوْطِئَةً لِعُذْرِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَسْتَحْضِرِ اسْمَ يَعْقُوبَ ﵇ كَمَا سَيَأْتِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْآتِيَةُ: فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا اسْتَعْجَمَا عَلَيَّ اسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَتُوبُ مِمَّا ذَكَرُوا أَبَدًا.
قَوْلُهُ: (حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ) فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ: وَقَرَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ ثَبَتَ وَزْنًا وَمَعْنًى.
قَوْلُهُ: (وَصَدَقْتُمْ بِهِ) فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ، قَالَتْ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى حَقِيقَتِهِ عَلَى