مَا قِيلَ فِيهِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَأَنَّ قَوْلَ كَذَا وَكَذَا يُكَنَّى بِهَا عَنِ الْأَحْوَالِ كَمَا يُكَنَّى بِهَا عَنِ الْأَعْدَادِ، وَلَا تَخْتَصُّ بِالْأَعْدَادِ، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّوْبَةِ وَأَنَّهَا تُقْبَلُ مِنَ الْمُعْتَرِفِ الْمُقْلِعِ الْمُخْلِصِ، وَأَنَّ مُجَرَّدَ الِاعْتِرَافِ لَا يُجْزِئُ فِيهَا، وَأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِمَا لَمْ يَقَعْ لَا يَجُوزُ وَلَوْ عُرِفَ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُؤَاخَذُ عَلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى اعْتِرَافِهِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ أَوْ يَسْكُتُ، وَأَنَّ الصَّبْرَ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ وَيُغْبَطُ صَاحِبُهُ. وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْكَبِيرِ فِي الْكَلَامِ وَتَوَقُّفُ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ فِي الْكَلَامِ. وَفِيهِ تَبْشِيرُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ أَوِ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ.
وَفِيهِ الضَّحِكُ وَالْفَرَحُ وَالِاسْتِبْشَارُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَمَعْذِرَةُ مَنِ انْزَعَجَ عِنْدَ وُقُوعِ الشِّدَّةِ لِصِغَرِ سِنٍّ وَنَحْوِهِ، وَإِدْلَالُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَأَبَوَيْهَا، وَتَدْرِيجُ مَنْ وَقَعَ فِي مُصِيبَةٍ فَزَالَتْ عَنْهُ لِئَلَّا يَهْجُمُ عَلَى قَلْبِهِ الْفَرَحُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَيُهْلِكُهُ، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنِ ابْتِدَاءِ النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ بِبَرَاءَةِ عَائِشَةَ بِالضَّحِكِ ثُمَّ تَبْشِيرِهَا ثُمَّ إِعْلَامِهَا بِبَرَاءَتِهَا مُجْمَلَةً ثُمَّ تِلَاوَتِهِ الْآيَاتِ عَلَى وَجْهِهَا. وَقَدْ نَصَّ الْحُكَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ لَا يُمَكَّنُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الرَّيِّ فِي الْمَاءِ لِئَلَّا يُفْضِي بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْهَلَكَةِ بَلْ يُجَرَّعُ قَلِيلًا قَلِيلًا. وَفِيهِ أَنَّ الشِّدَّةَ إِذَا اشْتَدَّتْ أَعْقَبَهَا الْفَرَجُ، وَفُضِّلَ مَنْ يُفَوِّضُ الْأَمْرَ لِرَبِّهِ، وَأَنَّ مَنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ خَفَّ عَنْهُ الْهَمُّ وَالْغَمُّ كَمَا وَقَعَ فِي حَالَتَيْ عَائِشَةَ قَبْلَ اسْتِفْسَارِهَا عَنْ حَالِهَا وَبَعْدَ جَوَابِهَا بِقَوْلِهَا: وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ خُصُوصًا فِي صِلَةِ الرَّحِمِ، وَوُقُوعِ الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ أَوْ صَفَحَ عَنْهُ، وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ اسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْثُ، وَجَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بِآيِ الْقُرْآنِ فِي النَّوَازِلِ، وَالتَّأَسِّي بِمَا وَقَعَ لِلْأَكَابِرِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَفِيهِ التَّسْبِيحُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ وَاسْتِعْظَامِ الْأَمْرِ، وَذَمُّ الْغِيبَةِ وَذَمُّ سَمَاعِهَا وَزَجْرُ مَنْ يَتَعَاطَاهَا لَا سِيَّمَا إِنْ تَضَمَّنَتْ تُهْمَةُ الْمُؤْمِنِ بِمَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ، وَذَمُّ إِشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ، وَتَحْرِيمِ الشَّكِّ فِي بَرَاءَةِ عَائِشَةَ.
وَفِيهِ تَأْخِيرُ الْحَدِّ عَمَّنْ يُخْشَى مِنْ إِيقَاعِهِ بِهِ الْفِتْنَةُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ كَانَ مِمَّنْ قَذَفَ عَائِشَةَ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مِمَّنْ حُدَّ، وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ قَذَفَ، بَلِ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَخْرِجُهُ وَيَسْتَوْشِيهُ. قُلْتُ: وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ قَذَفَ صَرِيحًا، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِ، وَفِي مُرْسَلِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْإِكْلِيلِ بِلَفْظِ: فَرَمَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظٍ أَشْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَوَرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ مِمَّنْ جُلِدَ الْحَدَّ، وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا مُرْسَلًا، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ، فَإِنْ ثَبَتَا سَقَطَ السُّؤَالُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتَا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ عِيَاضٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتُ خَبَرٌ بِأَنَّهُ قَذَفَ صَرِيحًا ثُمَّ لَمْ يُحَدُّ، وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ إِنْكَارَ وُقُوعِ الْحَدِّ بِالَّذِينَ قَذَفُوا عَائِشَةَ أَصْلًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَاعْتَلَّ قَائِلُهُ بِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ إِلَّا بِقِيَامِ بَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، وَزَادَ غَيْرُهُ: أَوْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ، قَالَ: وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ. كَذَا قَالَ، وَفِيهِ نَظَرٌ يَأْتِي إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيِّ صَاحِبِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْعِ الْحُكْمِ حَالَةَ الْغَضَبِ لِمَا بَدَا مِنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ حَالَةَ الْغَضَبِ حَتَّى كَادُوا يَقْتَتِلُونَ، قَالَ: فَإِنَّ الْغَضَبَ يُخْرِجُ الْحَلِيمَ الْمُتَّقِي إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْغَضَبُ قَوْمًا مِنْ خِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى مَا لَا يَشُكُّ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا مِنْهُمْ زَلَّةٌ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ.
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَقَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَلَمْ تَثْبُتْ. وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيُؤْخَذُ مِنْ سِيَاقِ عَائِشَةَ ﵂ جَمِيعُ قِصَّتِهَا الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى بَرَاءَتِهَا بَيَانُ مَا أُجْمِلَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةُ لِسِيَاقِ أَسْبَابِ ذَلِكَ، وَتَسْمِيَةُ مَنْ يُعْرَفُ مِنْ أَصْحَابِ الْقَصَصِ لِمَا فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ الْأَحْكَامِيَّةِ وَالْآدَابِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute