تَعَالَى، أَيْ أَنَّ الْمَثَلَ لِلَّهِ وَلِلْأَصْنَامِ، فَاللَّهُ الْمَالِكُ وَالْأَصْنَامُ مَمْلُوكَةٌ وَالْمَمْلُوكُ لَا يُسَاوِي الْمَالِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: إِنَّ مَمْلُوكَكَ لَا تَخَافُ أَنْ يُقَاسِمَكَ مَالَكَ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ عَدَلَ بِهِ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ يَقُولُ: أَكَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مُشَارِكًا مَمْلُوكَهُ فِي فِرَاشِهِ وَزَوْجَتِهِ؟ وَكَذَلِكَ لَا يَرْضَى اللَّهُ أَنْ يُعْدَلَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ.
قَوْلُهُ: ﴿يَصَّدَّعُونَ﴾ يَتَفَرَّقُونَ، فَاصْدَعْ) أَمَّا قَوْلُهُ: يَتَفَرَّقُونَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ أَيْ: يَتَفَرَّقُونَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَاصْدَعْ﴾ فَيُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أَيِ: افْرُقْ وَأمْضِهِ، وَأَصْلُ الصَّدْعِ الشَّقُّ فِي الشَّيْءِ، وَخَصَّهُ الرَّاغِبُ بِالشَّيْءِ الصُّلْبِ كَالْحَدِيدِ تَقُولُ: صَدَعْتُهُ فَانْصَدَعَ بِالتَّخْفِيفِ، وَصَدَّعْتُهُ فَتَصَدَّعَ بِالتَّثْقِيلِ، وَمِنْهُ: صُدَاعُ الرَّأْسِ لِتَوَهُّمِ الِاشْتِقَاقِ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: اصْدَعْ، أَيْ: فَرِّقْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِدُعَائِكَ إِلَى اللَّهِ ﷿ وَافْصِلْ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: غَيْرُهُ: ضَعْفٌ وَضُعْفٌ لُغَتَانِ) هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَقُرِئَ بِهِمَا، فَالْجُمْهُورُ بِالضَّمِّ وَقَرَأَ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ بِالْفَتْحِ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ: الْخَلِيلُ: الضُّعْفُ بِالضَّمِّ مَا كَانَ فِي الْجَسَدِ، وَبِالْفَتْحِ مَا كَانَ فِي الْعَقْلِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: مُجَاهِدٌ: السُّوآى: الْإِسَاءَةُ جَزَاءُ الْمُسِيئِينَ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ، وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ الْإِسَاءَةِ فَقِيلَ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمَدِّ، وَجَوَّزَ ابْنُ التِّينِ فَتْحَ أَوَّلِهِ مَمْدُودًا وَمَقْصُورًا، وَهُوَ مِنْ آسَى أَيْ حَزِنَ، وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا﴾ أَيِ: الَّذِينَ كَفَرُوا جَزَاؤُهُمُ الْعَذَابُ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى قُرَيْشٍ بِالسِّنِينَ، وَسُؤَالِهِمْ لَهُ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الْقَحْطِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالَّذِي وَقَعَ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ مِنَ الدُّخَانِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الدُّخَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: لَا أَعْلَمُ، أَيْ أَنَّ تَمْيِيزَ الْمَعْلُومِ مِنَ الْمَجْهُولِ نَوْعٌ مِنَ الْعِلْمِ، وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِمَا اشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ لَا أَدْرِي نِصْفُ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ فِيمَا لَا يُعْلَمُ قِسْمٌ مِنَ التَّكَلُّفِ.
بَاب: ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ لِدِينِ اللَّهِ، خُلُقُ الْأَوَّلِينَ: دِينُ الْأَوَّلِينَ، وَالْفِطْرَةُ: الْإِسْلَامُ.
٤٧٧٥ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثُمَّ يَقُولُ: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾
قَوْلُهُ: بَابُ: لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ: لِدِينِ اللَّهِ، خُلُقُ الْأَوَّلِينَ: دِينُ الْأَوَّلِينَ) أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ قَالَ: لِدِينِ اللَّهِ. وَمِنْ طُرُقٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكِ مِثْلَهُ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ قَالَ: الْإِحْصَاءُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ﴾؛ يَقُولُ: دِينُ الْأَوَّلِينَ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ. وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿خُلُقُ الأَوَّلِينَ﴾ قَالَ: اخْتِلَاقُ الْأَوَّلِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَذِبُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: سِيرَتُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute