كَانَ الدَّوَامُ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ كَذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ السُّؤَالُ عَلَى مَسْلَكَيْنِ وَالْجَوَابُ عَلَى رَفْعِهِمَا كَأَنْ يُقَالَ: هَذَا اللَّفْظُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَغْفِرُ لَهُ أَوْ يَرْحَمُ، وَبِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَالِ كَذَلِكَ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ كَانَ، وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَاضِي يُسَمَّى بِهِ، وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ كَانَ تُعْطَى مَعْنَى الدَّوَامِ، وَقَدْ قَالَ النُّحَاةُ: كَانَ لِثُبُوتِ خَبَرِهَا مَاضِيًا دَائِمًا أَوْ مُنْقَطِعًا.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَخْتَلِفُ) بِالْجَزْمِ لِلنَّهْيِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُطَرِّفٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو وَفِي آخِرِهِ قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ بَقِيَ فِي قَلْبِكَ شَيْءٌ؟ إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَجْهَهُ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي السِّيَاقِ وَالسَّمَاءِ بَنَاهَا وَالتِّلَاوَةُ: ﴿أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾ كَذَا زَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَالَّذِي فِي الْأَصْلِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ وَهُوَ عَلَى وَفْقِ التِّلَاوَةِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ ﴿دَحَاهَا﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا ﴿أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِيهِ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ) أَيِ ابْنُ أَبِي زُرَيْقٍ التَّيْمِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ، وَهُوَ أَخُو زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ حَدَّثَنِيهِ عَنْ يُوسُفَ بِزِيَادَةِ عَنْ وَهِيَ غَلَطٌ. وَسَقَطَ قَوْلُهُ وَحَدَّثَنِيهِ إِلَخْ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، وَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنِ الْجُرْجَانِيِّ، عَنِ الْفَرَبْرِيِّ، وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ، لَكِنْ ذَكَرَ الْبُرْقَانِيُّ فِي الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ فَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ قَالَ: وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأُرْدِسْتَانِيُّ قَالَ: شَاهَدْتُ نُسْخَةً مِنْ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ فِي هَامِشِهَا حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ الْبُرْقَانِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ صَنِيعِ مَنْ سَمِعَهُ مِنَ الْبُوشَنْجِيِّ فَإِنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: وَلَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ، لِيُوسُفَ وَلَا لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَلَا لِزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ حَدِيثًا مُسْنَدًا سِوَاهُ، وَفِي مُغَايَرَةِ الْبُخَارِيِّ سِيَاقَ الْإِسْنَادِ عَنْ تَرْتِيبِهِ الْمَعْهُودِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ وَإِنْ صَارَتْ صُورَتُهُ صُورَةُ الْمَوْصُولِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا الِاصْطِلَاحُ وَأَنَّ مَا يُورِدُهُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ صَحِيحِهِ وَخَرَجَ عَلَى مَنْ يُغَيِّرُ هَذِهِ الصِّيغَةَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهَا إِذَا أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ.
فَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ سَمِعَهُ أَوَّلًا مُرْسَلًا وَآخِرًا مُسْنَدًا فَنَقَلَهُ كَمَا سَمِعَهُ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، وَقَدْ وَجَدْتُ لِلْحَدِيثِ طَرِيقًا أُخْرَى أَخْرَجَهَا الطَّبَرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ مِنْ طَرِيقٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو بِتَمَامِهِ، فَشَيْخُ مَعْمَرٍ الْمُبْهَمُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُطَرِّفًا أَوْ زَيْدَ بْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ أَوْ ثَالِثًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ مَحْسُوبٍ) سَقَطَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِهِ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: غَيْرُ مَمْنُونٍ قَالَ: غَيْرُ مَنْقُوصٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ مَحْسُوبٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُحْسَبُ فَيُحْصَى فَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَوْلُهُ: ﴿أَقْوَاتَهَا﴾ أَرْزَاقُهَا) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بِلَفْظِ قَالَ: وَقَالَ قَتَادَةُ: جِبَالَهَا وَأَنْهَارَهَا وَدَوَابَّهَا وَثِمَارَهَا وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ قَالَ: مِنَ الْمَطَرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَقْوَاتُهَا وَاحِدُهَا قُوتٌ وَهِيَ الْأَرْزَاقُ.
قَوْلُهُ: ﴿فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ مِمَّا أَمَرَ بِهِ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِلَفْظِ: مِمَّا أَمَرَ بِهِ وَأَرَادَهُ أَيْ مِنْ خَلْقِ الرُّجُومِ وَالنَّيِّرَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: ﴿نَحِسَاتٍ﴾ مَشَائِيمَ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِهِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: رِيحًا صَرْصَرًا: بَارِدَةً. ﴿نَحِسَاتٍ﴾ مَشْومَاتٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الصَّرْصَرُ هِيَ الشَّدِيدَةُ الصَّوْتِ الْعَاصِفَةُ، ﴿نَحِسَاتٍ﴾ ذَوَاتُ نُحُوسٍ أَيْ مَشَائِيمَ.
قَوْلُهُ: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ﴾، ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾ عِنْدَ الْمَوْتِ) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَالنَّسَفِيِّ وَطَائِفَةٍ، وَعِنْدَ