للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَسُولُ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ وَلَمْ يَعْهَدُوا. كَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَقَدِ اخْتَصَرَهُ فَأَفْسَدَهُ، وَالَّذِي فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا هِيَ إِلَّا هِرَقْلِيَّةٌ. وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ: فَقَالَ مَرْوَانُ: سُنَّةُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: سُنَّةُ هِرَقْلَ، وَقَيْصَرَ. وَلِابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: أَجِئْتُمْ بِهَا هِرَقْلِيَّةً تُبَايِعُونَ لِأَبْنَائِكُمْ؟ وَلِأَبِي يَعْلَى، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ خَطَبَ مَرْوَانُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَأْيًا حَسَنًا فِي يَزِيدَ، وَإِنْ يَسْتَخْلِفْهُ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هِرَقْلِيَّةٌ. إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَاللَّهِ مَا جَعَلَهَا فِي أَحَدٍ مِنْ وَلَدِهِ وَلَا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَمَا جَعَلَهَا مُعَاوِيَةُ إِلَّا كَرَامَةً لِوَلَدِهِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: خُذُوهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا) أَيِ: امْتَنَعُوا مِنَ الدُّخُولِ خَلْفَهُ إِعْظَامًا لِعَائِشَةَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى فَنَزَلَ مَرْوَانُ عَنِ الْمِنْبَرِ حَتَّى أَتَى بَابَ عَائِشَةَ فَجَعَلَ يُكَلِّمُهَا وَتُكَلِّمُهُ ثُمَّ انْصَرَفَ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ مَرْوَانُ إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى فقَالَ مَرْوَانُ: اسْكُتْ، أَلَسْتَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ. . . فَذَكَرَ الْآيَةَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَلَسْتَ ابْنَ اللَّعِينِ الَّذِي لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ .

قَوْلُهُ: (فَقَالَتْ عَائِشَةُ) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ: فَقَالَتْ: كَذَبَ مَرْوَانُ.

قَوْلُهُ: (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عُذْرِي) أَيِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ فِي قِصَّةِ أَهْلِ الْإِفْكِ وَبَرَاءَتِهَا مِمَّا رَمَوْهَا بِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَذَبَ وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: وَاللَّهِ مَا أُنْزِلَتْ إِلَّا فِي فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: لَوْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَعَنَ أَبَا مَرْوَانَ، وَمَرْوَانُ فِي صُلْبِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ مِينَاءَ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَتْ: إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ سَمَّتْ رَجُلًا. وَقَدْ شَغَبَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ فَقَالَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ لَيْسَ هُوَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَيْسَ كَمَا فَهِمَ هَذَا الرَّافِضِيُّ، بَلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ فِينَا أَيْ فِي بَنِي أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ عُمُومِ النَّفْيِ وَإِلَّا فَالْمَقَامُ يُخَصَّصُ، وَالْآيَاتُ الَّتِي فِي عُذْرِهَا فِي غَايَةِ الْمَدْحِ لَهَا، وَالْمُرَادُ نَفْيُ إِنْزَالِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الذَّمُّ كَمَا فِي قِصَّةِ قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ﴾ إِلَى آخِرِهِ. وَالْعَجَبُ مِمَّا أَوْرَدَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الزَّجَّاجُ فَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْكَافِرِ الْعَاقِّ، وَإِلَّا فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَصَارَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَأَجَابَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِأُولَئِكَ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي﴾ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ ثُمَّ يُسْلِمُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ آخَرُونَ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.

قُلْتُ: وَالْقَوْلُ فِي عَبْدِ اللَّهِ كَالْقَوْلِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ أَيْضًا أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ لِأَبَوَيْهِ - وَهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَأُمُّ رُومَانَ - وَكَانَا قَدْ أَسْلَمَا وَأَبَى هُوَ أَنْ يُسْلِمَ، فَكَانَا يَأْمُرَانِهِ بِالْإِسْلَامِ فَكَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِمَا وَيُكَذِّبُهُمَا وَيَقُولُ: فَأَيْنَ فُلَانٌ وَأَيْنَ فُلَانٌ يَعْنِي مَشَايِخَ قُرَيْشٍ مِمَّنْ قَدْ مَاتَ، فَأَسْلَمَ بَعْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَنَزَلَتْ تَوْبَتُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

قُلْتُ: لَكِنَّ نَفْيَ عَائِشَةَ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَآلِ بَيْتِهِ أَصَحُّ إِسْنَادًا وَأَوْلَى بِالْقَبُولِ. وَجَزَمَ مُقَاتِلٌ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ نَزَلَتْ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.