مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَذَاكِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾
[الحديث ٤٨٣٠ - أطرافه في: ٤٨٣١، ٤٨٣٢، ٧٥٠٢]
٤٨٣١ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا ثُمَّ قال رسول الله ﷺ: "اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾
٤٨٣٢ - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي الْمُزَرَّدِ بِهَذَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾
قَوْلُهُ: بَابُ ﴿وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾: قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالتَّشْدِيدِ وَيَعْقُوبُ بِالتَّخْفِيفِ.
قَوْلُهُ: (خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ) أَيْ قَضَاهُ وَأَتَمَّهُ.
قَوْلُهُ: (قَامَتِ الرَّحِمُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْأَعْرَاضُ يَجُوزُ أَنْ تَتَجَسَّدَ وَتَتَكَلَّمُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفٍ أَيْ قَامَ مَلَكٌ فَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَالْمُرَادُ تَعْظِيمُ شَأْنِهَا وَفَضْلُ وَاصِلِهَا وَإِثْمُ قَاطِعِهَا.
قَوْلُهُ: (فَأَخَذَتْ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِحَذْفِ مَفْعُولِ أَخَذَتْ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ بِحَقْوَيِ الرَّحْمَنِ بِالتَّثْنِيَةِ، قَالَ الْقَابِسِيُّ: أَبَى أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ أَنْ يَقْرَأَ لَنَا هَذَا الْحَرْفَ لِإِشْكَالِهِ، وَمَشَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى الْحَذْفِ فَقَالَ: أَخَذَتْ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: الْحَقْوُ مَعْقِدُ الْإِزَارِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُسْتَجَارُ بِهِ وَيُحْتَزَمُ بِهِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَحَقِّ مَا يُحَامَى عَنْهُ وَيُدْفَعُ، كَمَا قَالُوا نَمْنَعُهُ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ مَجَازًا لِلرَّحِمِ فِي اسْتِعَاذَتِهَا بِاللَّهِ مِنَ الْقَطِيعَةِ انْتَهَى. . وَقَدْ يُطْلَقُ الْحَقْوُ عَلَى الْإِزَارِ نَفْسِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فَأَعْطَاهَا حَقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ يَعْنِي إِزَارَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَهُوَ الَّذِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ عِنْدَ الْإِلْحَاحِ فِي الِاسْتِجَارَةِ وَالطَّلَبِ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا صَحِيحٌ مَعَ اعْتِقَادِ تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنِ الْجَارِحَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ كَأَنَّهُ شَبَّهَ حَالَةَ الرَّحِمِ وَمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الِافْتِقَارِ إِلَى الصِّلَةِ وَالذَّبِّ عَنْهَا بِحَالِ مُسْتَجِيرٍ يَأْخُذُ بِحَقْوِ الْمُسْتَجَارِ بِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّخْيِيلِيَّةِ مَا هُوَ لَازِمٌ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ مِنَ الْقِيَامِ فَيَكُونُ قَرِينَةً مَانِعَةً مِنْ إِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ رُشِّحَتْ الِاسْتِعَارَةُ بِالْقَوْلِ وَالْأَخْذِ وَبِلَفْظِ الْحَقْوِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ أُخْرَى، وَالتَّثْنِيَةُ فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْيَدَيْنِ آكَدُ فِي الِاسْتِجَارَةِ مِنَ الْأَخْذِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَهُ مَهْ) هُوَ اسْمُ فِعْلٍ مَعْنَاهُ الزَّجْرُ أَيِ اكْفُفْ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: هِيَ هُنَا مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ حُذِفَتْ أَلِفُهَا وَوُقِفَ عَلَيْهَا بِهَاءِ السَّكْتِ، وَالشَّائِعُ أَنْ لَا يُفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا وَهِيَ مَجْرُورَةٌ، لَكِنْ قَدْ سُمِعَ مِثْلُ ذَلِكَ فَجَاءَ عَنْ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَلِأَهْلِهَا ضَجِيجٌ بِالْبُكَاءِ كَضَجِيجِ الْحَجِيجِ، فَقُلْتُ: مَهْ؟ فَقَالُوا. قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ) هُوَ ابْنُ بِلَالٍ.
قَوْلُهُ: (هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ) هَذِهِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَقَامِ أَيْ قِيَامِي فِي هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ هَذَا مَقَامُ عَائِذٍ مِنَ الْقَطِيعَةِ وَالْعَائِذُ الْمُسْتَعِيذُ، وَهُوَ الْمُعْتَصِمُ بِالشَّيْءِ الْمُسْتَجِيرُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الِاسْتِشْهَادَ مَوْقُوفٌ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَنْ رَفَعَهُ