اللَّهِ .. الْحَدِيثَ. وَهَذَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَرِوَايَتُهُ أَثْبَتُ مِنْ مُؤَمِّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ) الْأَقْرَعُ لَقَبٌ وَاسْمُهُ فِيمَا نُقِلَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِرَاسُ بْنُ حَابِسِ بْنِ عِقَالٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارِمٍ التَّمِيمِيُّ الدَّارِمِيُّ، وَكَانَتْ وَفَاةُ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ.
قَوْلُهُ: (وَأَشَارَ الْآخَرُ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ، بَيَّنَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ بِرَجُلٍ آخَرَ، فَقَالَ نَافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمُهُ، سَيَأَتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ الْقَعْقَاعُ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، أَيِ ابْنِ عُدُسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارِمٍ التَّمِيمِيُّ الدَّارِمِيُّ. قَالَ الْكَلْبِيُّ فِي الْجَامِعِ: كَانَ يُقَالُ لَهُ تَيَّارُ الْفُرَاتِ لِجُودِهِ، قُلْتُ: وَلَهُ ذِكْرٌ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، أَوْرَدَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
قَوْلُهُ: (مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي) أَيْ لَيْسَ مَقْصُودُكَ إِلَّا مُخَالَفَةُ قَوْلِي، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلَافِي وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ هُنَا مَا أَرَدْتَ إِلَى خِلَافِي بِلَفْظِ حَرْفِ الْجَرِّ، وَمَا فِي هَذَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَإِلَى بِتَخْفِيفِ اللَّامِ، وَالْمَعْنَى أَيُّ شَيْءٍ قَصَدْتَ مُنْتَهِيًا إِلَى مُخَالَفَتِي. وَقَدْ وَجَدْتُ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ التِّينِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ.
قَوْلُهُ: (فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا) فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ﴾ .. الْآيَةَ، زَادَ وَكِيعٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ إِلَى قَوْلِهِ: عَظِيمٌ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ: فَنَزَلَتْ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا﴾ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الصَّحِيحُ أَنَّ سَبَبَ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ كَلَامُ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ.
قُلْتُ: لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَإِنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِقِصَّةِ الشَّيْخَيْنِ فِي تَخَالُفِهِمَا فِي التَّأْمِيرِ هُوَ أَوَّلُ السُّورَةِ ﴿لا تُقَدِّمُوا﴾ وَلَكِنْ لَمَّا اتَّصَلَ بِهَا قَوْلُهُ: ﴿لا تَرْفَعُوا﴾ تَمَسَّكَ عُمَرُ مِنْهَا بِخَفْضِ صَوْتِهِ، وَجُفَاةُ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِهِمْ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ مَدْحِي زَيْنٌ وَإِنَّ شَتْمِي شَيْنٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ذَاكَ اللَّهُ ﷿، وَنَزَلَتْ.
قُلْتُ: وَلَا مَانِعَ أَنْ تَنْزِلَ الْآيَةُ لِأَسْبَابٍ تَتَقَدَّمُهَا، فَلَا يُعْدَلُ لِلتَّرْجِيحِ مَعَ ظُهُورِ الْجَمْعِ وَصِحَّةِ الطُّرُقِ، وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ اسْتَشْعَرَ ذَلِكَ فَأَوْرَدَ قِصَّةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ عَقِبَ هَذَا لِيُبَيِّنَ مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْجَمْعِ، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِتَرْجَمَةِ بَابِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ إِشَارَةً إِلَى قِصَّةِ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي التَّرْجَمَةِ حَدِيثًا كَمَا سَأُبَيِّنُهُ قَرِيبًا، وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ الْخَطِيبُ لَمَّا وَقَعَ الْكَلَامُ فِي الْمُفَاخَرَةِ بَيْنَ بَنِي تَمِيمٍ الْمَذْكُورِينَ كَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مُطَوَّلًا.
قَوْلُهُ: (فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ) فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ فِي الِاعْتِصَامِ فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ ﷺ بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ﴾ .. الْآيَةَ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتُ أَنْ لَا أُكَلِّمَكَ إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ) قَالَ مُغْلَطَايْ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَوْ أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، فَإِنَّ أَبَا مُلَيْكَةَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّحَابَةِ.
قُلْتُ: وَهَذَا بَعِيدٌ عَنِ الصَّوَابِ، بَلْ قَرِينَةُ ذِكْرِ عُمَرَ تُرْشِدُ إِلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَبُو بَكْرٍ