وَالْفَاءَاتُ بَعْدَهَا عَاطِفَاتٌ مِنْ عَطْفِ الْمُتَغَايِرَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا مِنْ عَطْفِ الصِّفَاتِ، وَأَنَّ الْحَامِلَاتِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ صِفَاتِ الرِّيحِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ عَلِيٌّ: الرِّيَاحُ) كَذَا لَهُمْ، وَلِأَبِي ذَرٍّ، وَقَالَ عَلِيٌّ: الذَّارِيَاتُ الرِّيَاحُ، وَهُوَ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِهِ أَتَمَّ مِنْ هَذَا عَنِ ابْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْكَوَّاءِ يَسْأَلُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنِ الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا قَالَ: الرِّيَاحُ، وَعَنِ الْحَامِلَاتِ وِقْرًا، قَالَ: السَّحَابُ، وَعَنِ الْجَارِيَاتِ يُسْرًا، قَالَ: السُّفُنُ، وَعَنِ الْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا قَالَ: الْمَلَائِكَةُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ. وَابْنِ الْكَوَّاءِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَشْهُورٌ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، وَقَدْ أَطْنَبَ الطَّبَرِيُّ فِي تَخْرِيجِ طُرُقِهِ إِلَى عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَهُوَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: سَلُونِي، فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ، وَسَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ أَبِلَيْلٍ أُنْزِلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ أَمْ فِي سَهْلٍ أَمْ فِي جَبَلٍ. فَقَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ: وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ وَهُوَ خَلْفِي، فَقَالَ: مَا الذَّارِيَاتُ ذَرْوًا؟ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَقَالَ فِيهِ: وَيْلَكَ سَلْ تَفَقُّهًا وَلَا تَسْأَلْ تَعَنُّتًا وَفِيهِ سُؤَالُهُ عَنْ أَشْيَاءَ غَيْرِ هَذَا، وَلَهُ شَاهِدٌ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ عَنْ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ غَيْرُهُ: تَذْرُوهُ تُفَرِّقُهُ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ فِي قَوْلِهِ: ﴿تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾ أَيْ تُفَرِّقُهُ، ذَرَوْتُهُ وَأَذْرَيْتُهُ. وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الذَّارِيَاتِ: الرِّيَاحُ، وَنَاسٌ يَقُولُونَ الْمُذَرَّيَاتُ ذَرَتْ وَأَذْرَتْ.
قَوْلُهُ: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ فِي مَدْخَلٍ وَاحِدٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ) أَيِ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ، وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ. قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ﴾ يَعْنِي أَيْضًا آيَاتٍ، إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مِنْ مَدْخَلٍ وَاحِدٍ وَيُخْرِجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ، ثُمَّ عَنَّفَهُمْ فَقَالَ: ﴿أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ﴾ قَالَ: فِيمَا يَدْخُلُ مِنْ طَعَامِكُمْ وَمَا يَخْرُجُ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُرَيْفِعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: سَبِيلُ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ.
قَوْلُهُ: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾ أَيْ لُعِنُوا، كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾ قَالَ: لُعِنَ الْكَذَّابُونَ. وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾ قَالَ: الْكَذَّابُونَ.
قَوْلُهُ: ﴿فَرَاغَ﴾ فَرَجَعَ) هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ، وَزَادَ: وَالرَّوْغُ وَإِنْ جَاءَ بِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لَا يُنْطَقُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ صَاحِبُهُ لِذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: (فَرَاغَ) أَيْ: عَدَلَ.
قَوْلُهُ: ﴿فَصَكَّتْ﴾ فَجَمَعَتْ أَصَابِعَهَا فَضَرَبَتْ بِهِ جَبْهَتَهَا) فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ جَمَعَتْ بِغَيْرِ فَاءٍ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ بِلَفْظِهِ. وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ قَالَ: ضَرَبَتْ بِيَدِهَا عَلَى جَبْهَتِهَا وَقَالَتْ يَا وَيْلَتَاهُ. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ: ضَرَبَتْ وَجْهَهَا عَجَبًا. وَمِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ: وَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى جَبْهَتِهَا تَعَجُّبًا.
قَوْلُهُ: ﴿فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ﴾ مَنْ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ قَوْمِهِ) هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَثَبَتَ هَذَا هُنَا لِلنَّسَفِيِّ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَالرَّمِيمُ نَبَاتُ الْأَرْضِ إِذَا يَبِسَ وَدِيسَ) هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ، وَدِيسَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ مِنَ الدَّوْسِ وَهُوَ وَطْءُ الشَّيْءِ بِالْقَدَمِ حَتَّى يُفَتَّتَ، وَمِنْهُ دِيَاسُ الْأَرْضِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: الرَّمِيمُ الشَّجَرُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الرَّمِيمُ الْهَالِكُ.
قَوْلُهُ: ﴿لَمُوسِعُونَ﴾ أَيْ لَذُو سَعَةٍ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ﴾ أَيْ مَنْ يَكُونُ ذَا سَعَةٍ،