حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْعَصْفِ، وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الشَّامِ وَالْحَبُّ ذَا الْعَصْفِ بَعْدَ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَلِفٌ، قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا قَرَأَ بِهَا، وَأَثْبَتَ غَيْرُهُ أَنَّهَا قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ، بَلِ الْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ نَصْبُ الثَّلَاثَةِ: الْحَبَّ وَذَا الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانَ، فَقِيلَ: عَطْفٌ عَلَى الْأَرْضِ، لِأَنَّ مَعْنَى وَضَعَهَا: جَعَلَهَا، فَالتَّقْدِيرُ: وَجَعَلَ الْحَبَّ .. إِلَخْ أَوْ نَصَبَهُ بِخَلَقَ مُضْمَرَةً، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَنَظِيرُ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا وَقَعَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْجَارَ ذَا الْقُرْبَى وَالْجَارَ الْجُنُبِ قَالَ: وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا أَيْضًا أَحَدٌ. انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ نَفَى الْمَشْهُورَ، وَإِلَّا فَقَدْ قُرِئَ بِهَا أَيْضًا فِي الشَّوَاذِّ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَارِجُ: اللَّهَبُ الْأَصْفَرُ وَالْأَخْصَرُ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَسَيَأْتِي لَهُ تَفْسِيرٌ آخَرُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ﴾ إِلَخْ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ظَبْيَانَ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لِلشَّمْسِ مَطْلَعٌ فِي الشِّتَاءِ وَمَغْرِبٌ، وَمَطْلَعٌ فِي الصَّيْفِ وَمَغْرِبٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ، وَزَادَ قَوْلُهُ: وَرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ: لَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَشْرِقٌ وَمَغْرِبٌ، وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَشْرِقَيْنِ: مَشْرِقُ الْفَجْرِ وَمَشْرِقُ الشَّفَقِ، وَالْمَغْرِبَيْنِ: مَغْرِبُ الشَّمْسِ وَمَغْرِبُ الشَّفَقِ.
قَوْلُهُ: ﴿لا يَبْغِيَانِ﴾ لَا يَخْتَلِطَانِ. وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَهُمَا مِنَ الْبُعْدِ مَا لَا يَبْغِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ عَلَى هَذَا: يَلْتَقِيَانِ، أَيْ أَنْ يَلْتَقِيَا، وَحَذْفُ أَنْ سَائِغٌ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ﴾، وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْبَحْرَيْنِ بَحْرُ فَارِسَ وَبَحْرُ الرُّومِ؛ لِأَنَّ مَسَافَةَ مَا بَيْنَهُمَا مُمْتَدَّةٌ، وَالْحُلْوُ - وَهُوَ بَحْرُ النِّيلِ أَوِ الْفُرَاتِ مَثَلًا - يَصُبُّ فِي الْمِلْحُ، فَكَيْفَ يَسُوغُ نَفْيُ اخْتِلَاطِهِمَا أَوْ يُقَالُ بَيْنَهُمَا بُعْدٌ؟ لَكِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾، ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ يَرُدُّ عَلَى هَذَا، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْبَحْرَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُنَا: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾، فَإِنَّ اللُّؤْلُؤَ يَخْرُجُ مِنْ بَحْرِ فَارِسَ وَالْمَرْجَانُ يَخْرُجُ مِنْ بَحْرِ الرُّومِ، وَأَمَّا النِّيلُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا هَذَا وَلَا هَذَا. وَأَجَابَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَتَيْنِ مُتَّحِدٌ، وَالْبَحْرَانِ هُنَا الْعَذْبُ وَالْمِلْحُ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ﴾ وَحَذْفُ الْمُضَافِ سَائِغٌ، وَقِيلَ: بَلْ قَوْلُهُ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ مِنَ الْمِلْحِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْهِ الْعَذْبُ، وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْغَوَّاصِينَ، فَكَأَنَّهُمَا لَمَّا الْتَقَيَا وَصَارَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ قِيلَ يَخْرُجُ مِنْهُمَا.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمَرْجَانِ فَقِيلَ: هُوَ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ النَّاسِ الْآنَ، وَقِيلَ: اللُّؤْلُؤُ كِبَارُ الْجَوْهَرِ وَالْمَرْجَانُ صِغَارُهُ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بَحْرُ فَارِسَ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ اللُّؤْلُؤُ، وَالصَّدَفُ يَأْوِي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَنْصَبُّ فِيهِ الْمَاءُ الْعَذْبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: ﴿الْمُنْشَآتُ﴾ مَا رُفِعَ قِلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قِلْعُهُ فَلَيْسَ بِمُنْشَآتٍ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِهِ، لَكِنْ قَالَ: مُنْشَأَةٌ بِالْإِفْرَادِ، وَالْقِلْعُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَمُنْشَآتٌ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي بَكْرٍ عَنْهُ بِكَسْرِهَا أَيِ الْمُنْشَأَةُ هِيَ لِلسَّيْرِ، وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهَا مَجَازِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿كَالْفَخَّارِ﴾ كَمَا يُصْنَعُ الْفَخَّارُ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ.
قَوْلُهُ: (الشُّوَاظُ لَهَبٌ مِنْ نَارٍ) تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ النَّارِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ وَكَذَا تَفْسِيرُ النُّحَاسِ.
قَوْلُهُ: ﴿خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ ﷿ فَيَتْرُكُهَا) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ جَمِيعًا مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ: إِذَا هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ يَذْكُرُ مَقَامَ اللَّهِ