للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَإِلَّا فَلْيَدَّعِ مُشَارَكَتَهُمْ لَهَا فِي الْخُصُوصِيَّةِ، وَسَأُبَيِّنُ مَا يَقْدَحُ فِي خُصُوصِيَّةِ أُمِّ عَطِيَّةَ بِذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ: وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالُوا فِيهِ أَقْوَالًا عَجِيبَةً، وَمَقْصُودِي التَّحْذِيرُ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِهَا، فَإِنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ: النِّيَاحَةُ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ مَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ شَقِّ جَيْبٍ وَخَمْشِ خَدٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ: وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَأَنَّ النِّيَاحَةَ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ النَّقْلُ عَنْ غَيْرِ هَذَا الْمَالِكِيِّ أَيْضًا أَنَّ النِّيَاحَةَ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ، وَقَدْ أَبْدَاهُ الْقُرْطُبِيُّ احْتِمَالًا، وَرَدَّهُ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْوَعِيدِ عَلَى النِّيَاحَةِ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى شِدَّةِ التَّحْرِيمِ، لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ أَوَّلًا وَرَدَ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، ثُمَّ لَمَّا تَمَّتْ مُبَايَعَةُ النِّسَاءِ وَقَعَ التَّحْرِيمُ فَيَكُونُ الْإِذْنُ لِمَنْ ذُكِرَ وَقَعَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى لِبَيَانِ الْجَوَازِ ثُمَّ وَقَعَ التَّحْرِيمُ فَوَرَدَ حِينَئِذٍ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ.

وَقَدْ لَخَّصَ الْقُرْطُبِيُّ بَقِيَّةَ الْأَقَاوِيلِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا النَّوَوِيُّ، مِنْهَا دَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ النِّيَاحَةِ، قَالَ: وَهُوَ فَاسِدٌ لِمَسَاقِ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ هَذَا، وَلَوْلَا أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ فَهِمَتِ التَّحْرِيمَ لَمَا اسْتَثْنَتْ.

قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ صَرَّحَتْ بِأَنَّهَا مِنَ الْعِصْيَانِ فِي الْمَعْرُوفِ وَهَذَا وَصْفُ الْمُحَرَّمِ. وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ إِلَّا آلَ فُلَانٍ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهَا تُسَاعِدُهُمْ بِالنِّيَاحَةِ، فَيُمْكِنُ أَنَّهَا تُسَاعِدُهُمْ بِاللِّقَاءِ وَالْبُكَاءِ الَّذِي لَا نِيَاحَةَ مَعَهُ. قَالَ: وَهَذَا أَشْبَهُ مِمَّا قَبْلَهُ.

قُلْتُ: بَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ وُرُودُ التَّصْرِيحِ بِالنِّيَاحَةِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ اللِّقَاءَ وَالْبُكَاءَ الْمُجَرَّدَ لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ تَقْرِيرُهُ، فَلَوْ وَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَأْخِيرِ الْمُبَايَعَةِ حَتَّى تَفْعَلَهُ. وَمِنْهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعَادَ إِلَّا آلَ فُلَانٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ كَمَا قَالَ لِمَنِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ ذَا؟ فَقَالَ: أَنَا. فَقَالَ: أَنَا أَنَا. فَأَعَادَ عَلَيْهِ كَلَامَهُ مُنْكِرًا عَلَيْهِ.

قُلْتُ: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ. وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِأُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَ: وَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِتَحْلِيلِ شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ. انْتَهَى.

وَيَقْدَحُ فِي دَعْوَى تَخْصِيصِهَا أَيْضًا ثُبُوتُ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا، وَيُعْرَفُ مِنْهُ أَيْضًا الْخَدْشُ فِي الْأَجْوِبَةِ الْمَاضِيَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ فَبَايَعَهُنَّ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا .. الْآيَةَ - قَالَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ أَبِي وَأَخِي مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّ فُلَانَةَ أَسْعَدَتْنِي وَقَدْ مَاتَ أَخُوهَا .. الْحَدِيثَ.

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ قَالَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَنِي فُلَانٍ أَسْعَدُونِي عَلَى عَمِّي وَلَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهِنَّ، فَأَبَى، قَالَتْ: فَرَاجَعْتُهُ مِرَارًا فَأَذِنَ لِي، ثُمَّ لَمْ أَنُحْ بَعْدُ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ نُوحٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ عَجُوزًا لَنَا كَانَتْ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَتْ: فَأَخَذَ عَلَيْنَا وَلَا يَنُحْنَ، فَقَالَتْ عَجُوزٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ نَاسًا كَانُوا أَسْعَدُونَا عَلَى مَصَائِبَ أَصَابَتْنَا، وَإِنَّهُمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُسْعِدَهُمْ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَكَافِئِيهِمْ. قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ فَكَافَأْتُهُمْ. ثُمَّ إِنَّهَا أَتَتْ فَبَايَعَتْهُ وَظَهَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ أَقْرَبَ الْأَجْوِبَةِ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً ثُمَّ كُرِهَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ثُمَّ تَحْرِيمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الْثَّانِي: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي) هُوَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ.

قَوْلُهُ: (فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لِلنِّسَاءِ) أَيْ عَلَى النِّسَاءِ. وَقَوْلُهُ فَبَايِعْهُنَّ فِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَإِنْ بَايَعْنَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ فَإِنِ اشْتَرَطْنَ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ فَبَايِعْهُنَّ. وَاخْتُلِفَ فِي الشَّرْطِ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ النِّيَاحَةُ كَمَا سَبَقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ لَا يَخْلُو الرَّجُلُ