للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْوَجْهِ، وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْأَرَائِكُ؛ السُّرُرُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: السُّرُرُ؛ الْحِجَالُ مِنَ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ. وَقَالَ الْبَرَاءُ: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا﴾؛ يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَلْسَبِيلًا؛ حَدِيدُ الْجَرْيَةِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: أَسْرَهُمْ؛ شِدَّةُ الْخَلْقِ، وَكُلُّ شَيْءٍ شَدَدْتَهُ مِنْ قَتَبٍ وَغَبِيطٍ فَهُوَ مَأْسُورٌ.

قَوْلُهُ: (سُورَةُ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ثَبَتَتِ الْبَسْمَلَةُ لِأَبِي ذَرٍّ.

قَوْلُهُ: (يُقَالُ: مَعْنَاهُ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ، وَهَلْ تَكُونُ جَحْدًا وَتَكُونُ خَبَرًا، وَهَذَا مِنَ الْخَبَرِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقَالَ يَحْيَى وَهُوَ صَوَابٌ لِأَنَّهُ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْفَرَّاءِ بِلَفْظِهِ، وَزَادَ: لِأَنَّكَ تَقُولُ: هَلْ وَعَظْتُكَ؟ هَلْ أَعْطَيْتُكَ؟ تُقَرِّرُهُ بِأَنَّكَ وَعَظْتَهُ وَأَعْطَيْتَهُ. وَالْجَحْدُ أَنْ تَقُولَ: هَلْ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ هَذَا؟ وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ هَلْ لِلِاسْتِفْهَامِ، لَكِنْ تَكُونُ تَارَةً لِلتَّقْرِيرِ وَتَارَةً لِلْإِنْكَارِ، فَدَعْوَى زِيَادَتِهَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ﴿هَلْ أَتَى﴾ مَعْنَاهُ: قَدْ أَتَى، وَلَيْسَ بِاسْتِفْهَامٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ هِيَ لِلِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ، كَأَنَّهُ قِيلَ لِمَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ: فَالَّذِي أَنْشَأَهُ - بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ - قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِهِ. وَنَحْوُهُ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾؛ أَيْ: فَتَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ أَنْشَأَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِيدَ.

قَوْلُهُ: (يَقُولُ: كَانَ شَيْئًا فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلْقِهِ مِنْ طِينٍ إِلَى أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ) هُوَ كَلَامُ الْفَرَّاءِ أَيْضًا، وَحَاصِلُهُ انْتِفَاءُ الْمَوْصُوفِ بِانْتِفَاءِ صِفَتِهِ. وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ.

قَوْلُهُ: (أَمْشَاجٍ: الْأَخْلَاطُ، مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ: الدَّمُ وَالْعَلَقَةُ، وَيُقَالُ إِذَا خُلِطَ: مَشِيجٌ، كَقَوْلِكَ: خَلِيطٌ، وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ) هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ، قَالَ فِي قَوْلِهِ ﴿أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ وَهُوَ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ، وَالدَّمُ وَالْعَلَقَةُ، وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ مِنْ هَذَا إِذَا خُلِطَ: مَشِيجٌ، كَقَوْلِكَ: خَلِيطٌ، وَمَمْشُوجٌ كَقَوْلِكَ: مَخْلُوطٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ: مِنَ الرَّجُلِ الْجِلْدُ وَالْعَظْمُ، وَمِنَ الْمَرْأَةِ الشَّعْرُ وَالدَّمُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ: مِنْ نُطْفَةٍ مُشِجَتْ بِدَمٍ وَهُوَ دَمُ الْحَيْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَمْشَاجٍ قَالَ: مُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَحْمَرُ وَأَسْوَدُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: الْأَمْشَاجُ إِذَا اخْتَلَطَ الْمَاءُ وَالدَّمُ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً ثُمَّ كَانَ مُضْغَةً. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْأَمْشَاجُ الْعُرُوقُ.

قَوْلُهُ: ﴿سَلاسِلَ وَأَغْلالا﴾ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ: وَيُقَالُ: سَلَاسِلًا وَأَغْلَالًا.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُجْرِ بَعْضُهُمْ) هُوَ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بِغَيْرِ إِشْبَاعٍ عَلَامَةً لِلْجَزْمِ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ بِالزَّايِ بَدَلَ الرَّاءِ وَرَجَّحَ الرَّاءَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ أَجْرَى سَلَاسِلًا وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُجْرِهَا؛ أَيْ لَمْ يَصْرِفْهَا، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ قَدِيمٌ، يَقُولُونَ لِلِاسْمِ الْمَصْرُوفِ مُجْرًى. وَالْكَلَامُ الْمَذْكُورُ لِلْفَرَّاءِ، قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالا﴾ كُتِبَتْ (سَلَاسِلَ) بِالْأَلِفِ وَأَجْرَاهَا بَعْضُ الْقُرَّاءِ مَكَانَ الْأَلِفِ الَّتِي فِي آخِرِهَا، وَلَمْ يُجْرِ بَعْضُهُمْ، وَاحْتُجَّ بِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُثْبِتُ الْأَلِفَ فِي النَّصْبِ وَتَحْذِفُهَا عِنْدَ الْوَصْلِ، قَالَ: وَكُلٌّ صَوَابٌ. انْتَهَى، وَمُحَصَّلُ مَا جَاءَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ فِي سَلَاسِلَ التَّنْوِينُ وَعَدَمُهُ، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ مِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ بِأَلِفٍ وَبِغَيْرِهَا، فَنَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَرَءُوا بِالتَّنْوِينِ، وَالْبَاقُونَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، فَوَقَفَ أَبُو عَمْرٍو بِالْأَلِفِ وَوَقَفَ حَمْزَةُ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَجَاءَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَعَنْ حَفْصٍ، وَابْنِ ذَكْوَانَ الْوَجْهَانِ، أَمَّا مَنْ نَوَّنَ فَعَلَى لُغَةِ مَنْ يَصْرِفُ جَمِيعَ مَا لَا يَنْصَرِفُ حَكَاهَا الْكِسَائِيُّ، وَالْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُمَا، أَوْ عَلَى مُشَاكَلَةِ أَغْلَالًا.