وَالصَّوَابُ أَثْقَلَ بِمُثَلَّثَةٍ وَآخِرُهَا لَامٌ، وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ: هَذَا وَهْمٌ فِي رِوَايَةِ الْفَرَبْرِيِّ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ السَّمَّاكِ أَثْقَلَ بِالْمُثَلَّثَةِ هُوَ أَصَحُّ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ السَّكَنِ وَيُرْوَى أَثْقَلَ وَهُوَ الصَّوَابُ.
قَوْلُهُ: (وَيُرْوَى أَثْقَلَ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ أَتْقَنَ) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِيِّ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ الْفَرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مَعْشَرٍ يَقُولُ: ﴿أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ أَثْقَلَ. وَوَقَعَ فِي الْكِتَابِ خَطَأٌ، قُلْتُ: أَبُو مَعْشَرٍ هُوَ حَمْدَوَيْهِ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبُخَارِيُّ، كَانَ يَسْتَمْلِي عَلَى الْبُخَارِيِّ وَيُشَارِكُهُ فِي بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَكَانَ صَدُوقًا، وَأُضِرَّ بِأُخْرَةٍ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، قَالَ: أَثْقَلَ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، تَقُولُ الْعَرَبُ أَنْقَضَ الْحِمْلُ ظَهْرَ النَّاقَةِ إِذَا أَثْقَلَهَا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّقِيضِ وَهُوَ الصَّوْتُ، وَمِنْهُ سَمِعْتُ نَقِيضَ الرَّحْلِ أَيْ صَرِيرَهُ.
قَوْلُهُ: ﴿مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَيْ إِنَّ مَعَ ذَلِكَ الْعُسْرِ يُسْرًا آخَرَ، كَقَوْلِهِ: ﴿هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ وَهَذَا مُصَيَّرٌ مِنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ إِلَى اتِّبَاعِ النُّحَاةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ النَّكِرَةَ إِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأُولَى، وَمَوْقِعُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ كَمَا ثَبَتَ لِلْمُؤْمِنِينَ تَعَدُّدُ الْحُسْنَى كَذَا ثَبَتَ لَهُمْ تَعَدُّدُ الْيُسْرِ، أَوْ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَدِ الْيُسْرَيْنِ الظَّفَرُ، وَبِالْآخَرِ الثَّوَابُ، فَلَا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ أَحَدِهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ) رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا، وَرُوِيَ أَيْضًا مَوْقُوفًا، أَمَّا الْمَرْفُوعُ فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلَفْظُهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّ مَعَ الْيُسْرِ يُسْرًا أَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَوْ كَانَ الْعُسْرُ فِي جُحْرٍ لَدَخَلَ عَلَيْهِ الْيُسْرُ حَتَّى يُخْرِجَهُ، وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْيُسْرِ يُسْرًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَشَّرَ أَصْحَابَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ يَقُولُ: مَهْمَا يَنْزِلُ بِامْرِئٍ مِنْ شِدَّةٍ يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ بَعْدَهَا فَرَجًا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عُمَرَ لَكِنْ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعٍ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَأَخْرَجَهُ الْفَرَّاءُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَانْصَبْ: فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ) وَصَلَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ فِي صَلَاتِكَ. ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ قَالَ: اجْعَلْ نِيَّتَكَ وَرَغْبَتَكَ إِلَى رَبِّكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْجِهَادِ فَتَعَبَّدْ، وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) وَصَلَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ رَاوٍ ضَعِيفٌ.
(تَنْبِيهٌ): لَمْ يَذْكُرْ فِي سُورَةِ (أَلَمْ نَشْرَحْ) حَدِيثًا مَرْفُوعًا، وَيَدْخُلُ فِيهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَقُولُ رَبُّكَ أَتَدْرِي كَيْفَ رَفَعْتُ ذِكْرَكَ؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي. وَهَذَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي تَفْسِيرِهِمَا قِصَّةَ شَرْحِ صَدْرِهِ ﷺ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute