للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَكَذَلِكَ تَسْلِيمُ الْحَجَرِ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ.

قَوْلُهُ: (الصَّالِحَةُ) قَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ: هِيَ الَّتِي لَيْسَتْ ضِغْثًا وَلَا مِنْ تَلْبِيسِ الشَّيْطَانِ وَلَا فِيهَا ضَرْبُ مَثَلٍ مُشْكِلٍ، وَتُعُقِّبَ الْأَخِيرُ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْمُشْكِلِ مَا لَا يُوقَفُ عَلَى تَأْوِيلِهِ فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: (فَلَقِ الصُّبْحِ) يَأْتِي فِي سُورَةِ الْفَلَقِ قَرِيبًا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يُحَبَّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ، فَيَكُونُ تَحْبِيبُ الْخَلْوَةِ سَابِقًا عَلَى الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

قَوْلُهُ: (الْخَلَاءُ) بِالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي، وَيُطْلَقُ عَلَى الْخَلْوَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.

قَوْلُهُ: (فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءَ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ: فَكَانَ يَخْلُو وَهِيَ أَوْجَهُ. وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فَكَانَ يُجَاوِرُ.

قَوْلُهُ: (اللَّيَالِي ذَوَاتِ الْعَدَدِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَكِفُ شَهْرَ رَمَضَانَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: وَالتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِدْرَاجِ، إِذْ لَوْ كَانَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ عَائِشَةَ لَجَاءَ فِيهِ قَالَتْ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ أَوْ مَنْ دُونَهُ، وَلَمْ يَأْتِ التَّصْرِيحُ بِصِفَةِ تَعَبُّدِهِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فَيُطْعِمُ مَنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَبَّدُ بِالتَّفَكُّرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ أَطْلَقَتْ عَلَى الْخَلْوَةِ بِمُجَرَّدِهَا تَعَبُّدًا، فَإِنَّ الِانْعِزَالَ عَنِ النَّاسِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَةِ كَمَا وَقَعَ لِلْخَلِيلِ ﵇ حَيْثُ قَالَ: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾ وَهَذَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ ﷺ هَلْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ نَبِيٍّ قَبْلَهُ؟ قَالَ الْجُمْهُورُ: لَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَابِعًا لَاسْتُبْعِدَ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَنَقَلَ مَنْ كَانَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ.

وَقِيلَ: نَعَمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِهِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا آدَمُ حَكَاهُ ابْنُ بُرْهَانٍ، الثَّانِي نُوحٌ حَكَاهُ الْآمِدِيُّ، الثَّالِثُ إِبْرَاهِيمُ ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ الرَّابِعُ مُوسَى، الْخَامِسُ عِيسَى، السَّادِسُ بِكُلِ شَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْ شَرْعِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَحُجَّتِهِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ السَّابِعُ الْوَقْفُ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ الثَّالِثِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا نُقِلَ مِنْ مُلَازَمَتِهِ لِلْحَجِّ وَالطَّوَافِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا بَقِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَأَمَّا بَعْدَ النُّبُوَّةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ.

قَوْلُهُ: (إِلَى أَهْلِهِ) يَعْنِي خَدِيجَةَ وَأَوْلَادَهُ مِنْهَا، وَقَدْ سَبَقَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْإِفْكِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجَةِ أَهْلًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَقَارِبَهُ أَوْ أَعَمُّ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ) خَصَّ خَدِيجَةَ بِالذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ عَبَّرَ بِالْأَهْلِ إِمَّا تَفْسِيرًا بَعْدَ إِبْهَامٍ، وَإِمَّا إِشَارَةً إِلَى اخْتِصَاصِ التَّزَوُّدِ بِكَوْنِهِ مِنْ عِنْدِهَا دُونَ غَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِمِثْلِهَا بِالْمُوَحَّدَةِ، وَالضَّمِيرُ لِلَّيَالِيِ أَوْ لِلْخَلْوَةِ أَوْ لِلْعِبَادَةِ أَوْ لِلْمَرَّاتِ. أَيِ السَّابِقَةِ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَزَوَّدُ وَيَخْلُو أَيَّامًا، ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَتَزَوَّدُ وَيَخْلُو أَيَّامًا، ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَتَزَوَّدُ وَيَخْلُو أَيَّامًا إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَتَزَوَّدَ لِمِثْلِهَا إِذَا حَالَ الْحَوْلُ، وَجَاءَ ذَلِكَ الشَّهْرُ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ أَنْ يَخْلُوَ فِيهِ، وَهَذَا عِنْدِي أَظْهَرُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إِعْدَادُ الزَّادِ لِلْمُخْتَلِي إِذَا كَانَ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهُ لِبُعْدِ مَكَانِ اخْتِلَائِهِ مِنَ الْبَلَدِ مَثَلًا، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ، وَذَلِكَ لِوُقُوعِهِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ حُصُولِ النُّبُوَّةِ لَهُ بِالرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَحْيُ فِي الْيَقَظَةِ قَدْ تَرَاخَى عَنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ) جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.

قَوْلُهُ: (فَجَاءَهُ الْمَلَكُ) هُوَ جِبْرِيلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّهَيْلِيُّ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ وَرَقَةَ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ، أَيْ فِي غَارِ حِرَاءَ، كَذَا عَزَاهُ شَيْخُنَا الْبُلْقِينِيُّ لِلدَّلَائِلِ فَتَبِعْتُهُ، ثُمَّ وَجَدْتُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ فَعَزْوُهُ لَهُ أَوْلَى.

(تَنْبِيهٌ): إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ