قَوْلُهُ: ﴿شَانِئَكَ﴾ عَدُوَّكَ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِيِّ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَدْ وَصَلَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ النَّاقِلُونَ فِي تَعْيِينِ الشَّانِئِ الْمَذْكُورِ، فَقِيلَ: هُوَ الْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ، وَقِيلَ: أَبُو جَهْلٍ، وَقِيلَ: عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ.
الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَنَسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ الْمَبْعَثِ فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ فِي أَوَاخِرِهَا، وَيَأْتِي بِأَوْضَحِ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرِّقَاقِ. وَقَوْلُهُ لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ ﷺ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ. هَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِ. وَسَاقَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ آدَمَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْكَوْثَرُ وَالَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَأَهْوَى الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْ طِينِهِ مِسْكًا أَذْفَرَ وَأَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الرِّقَاقِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ رِوَايَةً عَنْهَا هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: سَأَلْتُهَا) فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قُلْتُ لِعَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مَاءُ الْكَوْثَرِ.
قَوْلُهُ: (هُوَ نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ) زَادَ النَّسَائِيُّ فِي بُطْنَانِ الْجَنَّةِ.
قُلْتُ: مَا بُطْنَانُ الْجَنَّةِ؟ قَالَتْ: وَسَطُهَا انْتَهَى. وَبُطْنَانٌ: بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا نُونٌ، وَوَسَطُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَعْلَاهَا أَيْ أَرْفَعُهَا قَدْرًا، أَوِ الْمُرَادُ أَعْدَلُهَا.
قَوْلُهُ: (شَاطِئَاهُ) أَيْ حَافَّتَاهُ.
قَوْلُهُ: (دُرٌّ مُجَوَّفٌ) أَيِ: الْقِبَابُ الَّتِي عَلَى جَوَانِبِهِ.
قَوْلُهُ: (رَوَاهُ زَكَرِيَّا، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، وَمُطَرِّفٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) أَمَّا زَكَرِيَّا فَهُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِيهِ، وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ أَبِي الْأَحْوَصِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي الْأَحْوَصِ وَهُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ فَوَصَلَهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ الْكَوْثَرُ: نَهَرٌ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ شَاطِئَاهُ دُرٌّ مُجَوَّفٌ؛ وَفِيهِ مِنَ الْأَبَارِيقِ عَدَدُ النُّجُومِ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُطَرِّفٍ وَهُوَ ابْنُ طَرِيفٍ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةٍ.
قَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهَرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ: هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ: إِنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ: فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهَرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. هَذَا تَأْوِيلٌ مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ جَمَعَ بِهِ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَأَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ عَنَاهُمْ أَبُو بِشْرٍ، أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَتَادَةُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ صَرِيحًا أَنَّ الْكَوْثَرَ هُوَ النَّهَرُ، وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ الْكَوْثَرُ: نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ الْحَدِيثَ قَالَ: إِنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ غَفَا إِغْفَاءَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ. فَقَرَأَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ نَهَرَ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَهُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَدِيثَ.
وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ غَيْرِهِ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ، لِأَنَّ النَّهَرَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ، وَلَعَلَّ سَعِيدًا أَوْمَأَ إِلَى أَنَّ تَأْوِيلَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْلَى لِعُمُومِهِ، لَكِنْ ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ بِالنَّهَرِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ ﷺ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ.
وَقَدْ نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْكَوْثَرِ أَقْوَالًا أُخْرَى غَيْرَ هَذَيْنَ تَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ، مِنْهَا قَوْلُ عِكْرِمَةَ: الْكَوْثَرُ النُّبُوَّةُ، وَقَوْلُ الْحَسَنِ: الْكَوْثَرُ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: تَفْسِيرُهُ، وَقِيلَ: الْإِسْلَامُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ التَّوْحِيدُ، وَقِيلَ: كَثْرَةُ الْأَتْبَاعِ، وَقِيلَ: الْإِيثَارُ، وَقِيلَ: رِفْعَةُ الذِّكْرِ، وَقِيلَ: نُورُ الْقَلْبِ، وَقِيلَ: الشَّفَاعَةُ،