للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْ أَقْسَامِ الْوَحْيِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً وَرَجَّحَهُ الْقَزَّازُ (١) وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَيُونُسَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ الصَّادِقَةُ وَهِيَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ضِغْثٌ، وَبُدِئَ بِذَلِكَ لِيَكُونَ تَمْهِيدًا وَتَوْطِئَةً لِلْيَقَظَةِ، ثُمَّ مَهَّدَ لَهُ فِي الْيَقَظَةِ أَيْضًا رُؤْيَةَ الضَّوْءِ وَسَمَاعَ الصَّوْتِ وَسَلَامَ الْحَجَرِ.

قَوْلُهُ: (فِي النَّوْمِ) لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ، أَوْ لِيُخْرِجَ رُؤْيَا الْعَيْنِ فِي الْيَقَظَةِ لِجَوَازِ إِطْلَاقِهَا مَجَازًا.

قَوْلُهُ: (مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) بِنَصْبِ مِثْلَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مُشْبِهَةً ضِيَاءَ الصُّبْحِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ: جَاءَتْ مَجِيئًا مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. وَالْمُرَادُ بِفَلَقِ الصُّبْحِ ضِيَاؤُهُ. وَخُصَّ بِالتَّشْبِيهِ لِظُهُورِهِ الْوَاضِحِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (حُبِّبَ) لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْبَاعِثِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَوْ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَاعِثِ الْبَشَرِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الْإِلْهَامِ. وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ الْخَلْوَةُ، وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْخَلْوَةَ فَرَاغُ الْقَلْبِ لِمَا يَتَوَجَّهُ لَهُ. وَحِرَاءُ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ أَوَّلِهِ كَذَا فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ وَقَدْ حُكِيَ أَيْضًا، وَحُكِيَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ جَوَازًا لَا رِوَايَةً. هُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِمَكَّةَ. وَالْغَارُ نَقْبٌ فِي الْجَبَلِ وَجَمْعُهُ غِيرَانُ.

قَوْلُهُ: (فَيَتَحَنَّثُ) هِيَ بِمَعْنَى يَتَحَنَّفُ، أَيْ: يَتَّبِعُ الحنيفية وَهِيَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ، وَالْفَاءُ تُبْدَلُ ثَاءً فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ يَتَحَنَّفُ بِالْفَاءِ، أَوِ التَّحَنُّثُ: إِلْقَاءُ الْحِنْثِ وَهُوَ الْإِثْمُ، كَمَا قِيلَ: يَتَأَثَّمُ وَيَتَحَرَّجُ وَنَحْوُهُمَا.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ التَّعَبُّدُ) هَذَا مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الطِّيبِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَهُ، نَعَمْ فِي رِوَايَةِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْهُ فِي التَّفْسِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِدْرَاجِ.

قَوْلُهُ: (اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: يَتَحَنَّثُ، وَإِبْهَامُ الْعَدَدِ لِاخْتِلَافِهِ، كَذَا قِيلَ. وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُدَدِ الَّتِي يَتَخَلَّلُهَا مَجِيئُهُ إِلَى أَهْلِهِ، وَإِلَّا فَأَصْلُ الْخَلْوَةِ قَدْ عُرِفَتْ مُدَّتُهَا وَهِيَ شَهْرٌ، وَذَلِكَ الشَّهْرُ كَانَ رَمَضَانَ، رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ.

وَاللَّيَالِي مَنْصُوبَةٌ عَلَى الظَّرْفِ، وَذَوَاتُ مَنْصُوبَةٌ أَيْضًا وَعَلَامَةُ النَّصْبِ فِيهِ كَسْرُ التَّاءِ. وَيَنْزِعُ بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ: يَرْجِعُ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَرَوَاهُ الْمُؤَلِّفُ بِلَفْظِهِ فِي التَّفْسِيرِ.

قَوْلُهُ: (لِمِثْلِهَا) أَيِ: اللَّيَالِي. وَالتَّزَوُّدُ اسْتِصْحَابُ الزَّادِ. وَيَتَزَوَّدُ مَعْطُوفٌ عَلَى يَتَحَنَّثُ.

وَخَدِيجَةُ هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، تَأْتِي أَخْبَارُهَا فِي مَنَاقِبِهَا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ) أَيِ: الْأَمْرُ الْحَقُّ، وَفِي التَّفْسِيرِ: حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - أَيْ بَغَتَهُ. وَإِنْ ثَبَتَ مِنْ مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْمَنَامِ أَوَّلًا قَبْلَ الْيَقَظَةِ، أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَجِيءُ الْمَلَكِ فِي الْيَقَظَةِ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنَامِ. وَسُمِّيَ حَقًّا لِأَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِهِ يَرَى فِي الْمَنَامِ، وَكَانَ أَوَّلُ مَا رَأَى جِبْرِيلَ بِأَجْيَادٍ، صَرَخَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَفَعَ بَصَرَهُ فَإِذَا هُوَ عَلَى أُفُقِ السَّمَاءِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ، جِبْرِيلُ، فَهَرَبَ فَدَخَلَ فِي النَّاسِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهُمْ فَنَادَاهُ فَهَرَبَ، ثُمَّ اسْتَعْلَنَ لَهُ جِبْرِيلُ مِنْ قِبَلِ حِرَاءَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إِقْرَائِهِ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ وَرَأَى حِينَئِذٍ جِبْرِيلَ لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ يَاقُوتٍ يَخْتَطِفَانِ الْبَصَرَ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا لَمْ أَرَهُ - يَعْنِي جِبْرِيلَ - عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا إِلَّا مَرَّتَيْنِ، وَبَيَّنَ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ عِنْدَ سُؤَالِهِ إِيَّاهُ أَنْ يُرِيَهُ صُورَتَهُ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَةَ عِنْدَ الْمِعْرَاجِ.

وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَرَ مُحَمَّدٌ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَمَرَّةً فِي أَجْيَادَ، وَهَذَا يُقَوِّي رِوَايَةَ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْمَرَّةُ غَيْرَ الْمَرَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضُمَّهَا إِلَيْهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ رَآهُ فِيهَا عَلَى تَمَامِ صُورَتِهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَوَقَعَ فِي السِّيرَةِ الَّتِي جَمَعَهَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ فَرَوَاهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ وَلَدِهِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ فِي حِرَاءَ وَأَقْرَأَهُ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَبَقِيَ مُتَرَدِّدًا، فَأَتَاهُ مِنْ أَمَامِهِ فِي صُورَتِهِ فَرَأَى أَمْرًا عَظِيمًا.

قَوْلُهُ: (فَجَاءَهُ) هَذِهِ الْفَاءُ


(١) هو محمد بن جعفر القيرواني أبو عبد الله التميمي صاحب (الجامع في اللغة) توفي سنة ٤١٢ (عن بغية الوعات)