للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةَ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ: وَمِمَّنِ اخْتَارَ مِنَ الْقِرَاآتِ كَمَا اخْتَارَ الْكِسَائِيُّ، أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالْمُفَضَّلُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي تَصَانِيفِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ جُبَيْرٍ الْمَكِّيُّ وَكَانَ قَبْلَ ابْنِ مُجَاهِدٍ كِتَابًا فِي الْقِرَاآتِ فَاقْتَصَرَ عَلَى خَمْسَةٍ، اخْتَارَ مِنْ كُلِّ مِصْرٍ إِمَامًا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصَاحِفَ الَّتِي أَرْسَلَهَا عُثْمَانُ كَانَتْ خَمْسَةً إِلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ وَجَّهَ بِسَبْعَةٍ هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَمُصْحَفًا إِلَى الْيَمَنِ وَمُصْحَفًا إِلَى الْبَحْرَيْنِ لَكِنْ لَمْ نَسْمَعْ لِهَذَيْنَ الْمُصْحَفَيْنِ خَبَرًا، وَأَرَادَ ابْنُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرُهُ مُرَاعَاةَ عَدَدِ الْمَصَاحِفِ فَاسْتَبْدَلُوا مِنْ غَيْرِ الْبَحْرَيْنِ وَالْيَمَنِ قَارِئَيْنِ يَكْمُلُ بِهِمَا الْعَدَدُ فَصَادَفَ ذَلِكَ مُوَافَقَةَ الْعَدَدِ الَّذِي وَرَدَ الْخَبَرُ

بِهَا وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَوَقَعَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِطْنَةً فَظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِرَاآتِ السَّبْعِ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمُ الْحَرْفَ فِي مَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ فَقَالُوا: قَرَأَ بِحَرْفِ نَافِعٍ بِحَرْفِ ابْنِ كَثِيرٍ، فَتَأَكَّدَ الظَّنُّ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ، وَالْأَصْلُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ سَنَدُهُ فِي السَّمَاعِ وَيَسْتَقِيمُ وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَيُوَافِقُ خَطَّ الْمُصْحَفِ، وَرُبَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَنَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا اتَّفَقَ نَافِعٌ، وَعَاصِمٌ، قَالَ: وَرُبَّمَا أَرَادُوا بِالِاتِّفَاقِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ، قَالَ: وَأَصَحُّ الْقِرَاآتِ سَنَدًا نَافِعٌ، وَعَاصِمٌ، وَأَفْصَحُهَا أَبُو عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيُّ، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ (١) فِي الشَّافِي: التَّمَسُّكُ بِقِرَاءَةِ سَبْعَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَمْعِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَانْتَشَرَ رَأْيُهُمْ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: وَقَدْ صَنَّفَ غَيْرُهُ فِي السَّبْعِ أَيْضًا فَذَكَرَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ غَيْرَ مَا فِي كِتَابِهِ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِذَلِكَ لِخُلُوِ ذَلِكَ الْمُصْحَفِ عَنْهُ.

وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ فِي اللَّوَائِحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الشُّبْهَةَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا ظَنَّ الْأَغْبِيَاءُ أَنَّ أَحْرُفَ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ هِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْأَئِمَّةَ بَعْدَ ابْنِ مُجَاهِدٍ جَعَلُوا الْقِرَاآتِ ثَمَانِيَةً أَوْ عَشْرَةً لِأَجْلِ ذَلِكَ، قَالَ: وَاقْتَفَيْتُ أَثَرَهُمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَأَقُولُ: لَوِ اخْتَارَ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ حُرُوفًا وَجَرَّدَ طَرِيقًا فِي الْقِرَاءَةِ بِشَرْطِ الِاخْتِيَارِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَارِجًا عَنِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ.

وَقَالَ الْكَوَاشِيُّ: كُلُّ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَاسْتَقَامَ وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَوَافَقَ لَفْظُهُ خَطَّ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ فَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَنْصُوصَةِ فَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ بُنِيَ قَبُولُ الْقِرَاآتِ عَنْ سَبْعَةٍ كَانُوا أَوْ سَبْعَةِ آلَافٍ، وَمَتَى فُقِدَ شَرْطٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ الشَّاذُّ، قُلْتُ: وَإِنَّمَا أَوْسَعْتُ الْقَوْلَ فِي هَذَا لِمَا تَجَدَّدَ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنْ تَوَهُّمٍ أَنَّ الْقِرَاآتِ الْمَشْهُورَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي مِثْلِ التَّيْسِيرِ وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَقَدِ اشْتَدَّ إِنْكَارُ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ عَلَى مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ كَأَبِي شَامَةَ، وَأَبِي حَيَّانَ، وَآخِرُ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ السُّبْكِيُّ فَقَالَ: فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالشَّاذِّ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ مَا عَدَا السَّبْعَةِ شَاذٌّ تَوَهُّمًا مِنْهُ انْحِصَارَ الْمَشْهُورِ فِيهَا، وَالْحَقُّ أَنَّ الْخَارِجَ عَنِ السَّبْعَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: مَا يُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَالثَّانِي: مَا لَا يُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا: الْأَوَّلُ: مَا وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ غَرِيبَةٍ فَهَذَا مُلْحَقٌ بِالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي: مَا اشْتُهِرَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ الْقِرَاءَةُ بِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَهَذَا لَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ كَقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ، وَأَبِي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِمَا. ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ فَقِيهٌ مُحَدِّثٌ مُقْرِئٌ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ بِعَيْنِهِ وَارِدٌ فِي الرِّوَايَاتِ عَنِ السَّبْعَةِ، فَإِنَّ عَنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الشَّوَاذِّ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَأْتِ إِلَّا


(١) في نسخة أخرى: قال إسماعيل الخ.