للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَشَاهِدُهُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فِي سَبْعٍ وَلَا تَقْرَءُوهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ.

وَلِأَبِي عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ الطَّيِّبِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لَا يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَحْمَدَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَغَيْرِهِمْ. وَثَبَتَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فِي دُونِ ذَلِكَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالِاخْتِيَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَتَدْقِيقِ الْفِكْرِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي لَا يَخْتَلُّ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّدَبُّرِ وَاسْتِخْرَاجِ الْمَعَانِي، وَكَذَا مَنْ كَانَ لَهُ شُغْلٌ بِالْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْهُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِمَا هُوَ فِيهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى لَهُ الِاسْتِكْثَارُ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ إِلَى الْمَلَلِ وَلَا يَقْرَؤُهُ هَذْرَمَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَأَكْثَرُهُمْ) أَيْ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.

قَوْلُهُ: (عَلَى سَبْعٍ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَوْصُولَةِ عَقِبَ هَذَا، فَإِنَّ فِي آخِرِهِ وَلَا يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَيْ لَا يُغَيِّرِ الْحَالَ الْمَذْكُورَةَ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى، فَأَطْلَقَ الزِّيَادَةَ وَالْمُرَادُ النَّقْصُ، وَالزِّيَادَةُ هُنَا بِطَرِيقِ التَّدَلِّي، أَيْ: لَا يَقْرَؤُهُ فِي أَقَلِّ مِنْ سَبْعٍ. وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: فِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ؟ قَالَ: فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا. ثُمَّ قَالَ: فِي شَهْرٍ. ثُمَّ قَالَ: فِي عِشْرِينَ. ثُمَّ قَالَ: فِي خَمْسَ عَشْرَةَ، ثُمَّ قَالَ: فِي عَشْرٍ. ثُمَّ قَالَ: فِي سَبْعٍ. ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ سَبْعٍ. وَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتُمِلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يَتَعَدَّدَ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ذَلِكَ تَأْكِيدًا، وَيُؤَيِّدُهُ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي السِّيَاقِ، وَكَأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الزِّيَادَةِ لَيْسَ عَلَى التَّحْرِيمِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ، وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْ قَرَائِنِ الْحَالِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا السِّيَاقُ، وَهُوَ النَّظَرُ إِلَى عَجْزِهِ عَنْ سِوَى ذَلِكَ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ، وَأَغْرَبَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فَقَالَ: يَحْرُمُ أَنْ يُقْرَأَ الْقُرْآنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ، فَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ يَحْيَى) هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَعَ فِي الْإِسْنَادِ الثَّانِي أَنَّهُ مَوْلَى زُهْرَةَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ أَنَّهُ مَوْلَى الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ الْأَخْنَسُ يُنْسَبُ زُهْرِيًّا لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حُلَفَائِهِمْ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ ابْنَ ثَوْبَانَ عَامِرِيٌّ، فَلَعَلَّهُ كَانَ يُنْسَبُ عَامِرِيًّا بِالْأَصَالَةِ وَزُهْرِيًّا بِالْحِلْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ): هَذَا التَّعْلِيقُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَقَالَ: بَعْضُهُمْ إِلَخْ ذَهِلْتُ عَنْ تَخْرِيجِهِ فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَحْرِيرِهِ هُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

قَوْلُهُ: (فِي كَمْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ)؟ كَذَا اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الإسناد الْعَالِي عَلَى بَعْضِ الْمَتْنِ ثُمَّ حَوَّلَهُ إِلَى الْإِسْنَادِ الْآخَرِ، وَإِسْحَاقُ شَيْخُهُ فِيهِ هُوَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مُوسَى وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ كَمَا هُنَا.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ - قَالَ: وَأَحْسَبُنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ) قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: خَالَفَ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، شَيْبَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَزَادَ فِي سِيَاقِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ قَالَ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: فِي عِشْرِينَ. قَالَ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: فِي عَشْرٍ. قَالَ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَسَاقَهُ مِنْ طَرِيقِهِ، قُلْتُ: كَأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ كَانَ يَتَوَقَّفُ فِي تَحْدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ لَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ بِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ كَانَ