عَمْدًا. وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا فِيهِ زِيَادَةٌ أُخْرَى مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
قَالَ عَطَاءٌ: وَكَانَتْ آخِرَهُنَّ مَوْتًا مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ. كَذَا قَالَ، فَأَمَّا كَوْنُهَا آخِرَهُنَّ مَوْتًا فَقَدْ وَافَقَ عَلَيْهِ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا: وَكَانَتْ وَفَاتُهَا سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا: مَاتَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ، وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ عَاشَتْ إِلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَقِيلَ بَلْ مَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَا مَاتَتَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنْ تَأَخَّرَتْ مَيْمُونَةُ. وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: إِنَّهَا مَاتَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ، وَعَلَى هَذَا لَا تَرْدِيدَ فِي آخِرِيَّتِهَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ، فَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ فَقَالَ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ مَيْمُونَةَ، كَيْفَ يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ إِنَّهَا مَاتَتْ بِسَرِفَ، وَسَرِفُ مِنْ مَكَّةَ بِلَا خِلَافٍ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِالْمَدِينَةِ وَهَمًا. قُلْتُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَدِينَةِ الْبَلَدَ وَهِيَ مَكَّةُ. وَالَّذِي فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ حَضَرُوا جِنَازَتَهَا بِسَرِفَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا مَاتَتْ بِسَرِفَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَاتَتْ دَاخِلَ مَكَّةَ وَأَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ بِالْمَكَانِ الَّذِي دَخَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهِ فَنَفَّذَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَصِيَّتَهَا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ سَعْدٍ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ جُرَيْجٍ هَذَا قَالَ بَعْدَهُ: وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ فَحَمَلَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ حَتَّى دَفَنَهَا بِسَرِفَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْغُسْلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ ﷺ الزِّيَادَةَ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ لِلزِّيَادَةِ انْتِهَاءٌ أَوْ لَا، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ. وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِهِ. وَقَوْلُهُ وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ إِلَخْ قَصَدَ بِهِ بَيَانَ تَصْرِيحِ قَتَادَةَ بِتَحْدِيثِ أَنَسٍ لَهُ بِذَلِكَ.
الْحَدِيثُ الثَالِثُ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ الْمَرْوَزِيُّ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ.
قَوْلُهُ (عَنْ رَقَبَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ هُوَ ابْنُ مِصْقَلَةَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍ وَيُقَالُ: بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الصَّادِ، وَطَلْحَةُ هُوَ ابْنُ مُصَرِّفٍ الْيَامِي بِتَحْتَانِيَّةٍ مُخَفَّفًا.
قَوْلُهُ (قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ لَا) زَادَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَجْهِي - أَيْ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ - هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ لَا، وَمَا أُرِيدُ ذَلِكَ يَوْمِي هَذَا وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ مَا ذَاكَ فِي الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ (فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً) قَيَّدَ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِيَخْرُجَ مِثْلُ سُلَيْمَانَ ﵇، فَإِنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ نِسَاءً كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَتِهِ، وَكَذَلِكَ أَبُوهُ دَاوُدُ، وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَزَوَّجُوا فَإِنَّ خَيْرَنَا كَانَ أَكْثَرَنَا نِسَاءً قِيلَ الْمَعْنَى خَيْرُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ نِسَاءً مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَسَاوَى مَعَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْفَضَائِلِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْخَيْرِ النَّبِيُّ ﷺ، وَبِالْأُمَّةِ أَخِصَّاءُ أَصْحَابِهِ ; وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ تَرْكَ التَّزْوِيجِ مَرْجُوحٌ، إِذْ لَوْ كَانَ رَاجِحًا مَا آثَرَ النَّبِيُّ ﷺ غَيْرَهُ، وَكَانَ مَعَ كَوْنِهِ أَخْشَى النَّاسِ لِلَّهِ وَأَعْلَمَهُمْ بِهِ يُكْثِرُ التَّزْوِيجَ لِمَصْلَحَةِ تَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ، وَلِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ الْبَالِغَةِ فِي خَرْقِ الْعَادَةِ لِكَوْنِهِ كَانَ لَا يَجِدُ مَا يَشْبَعُ بِهِ مِنِ الْقُوتِ غَالِبًا، وَإِنْ وَجَدَ كَانَ يُؤْثِرُ بِأَكْثَرِهِ، وَيَصُومُ كَثِيرًا وَيُوَاصِلُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا يُطَاقُ ذَلِكَ إِلَّا مَعَ قُوَّةِ الْبَدَنِ، وَقُوَّةُ الْبَدَنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ أَحَادِيثِ الْبَابِ تَابِعَةٌ لِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمُقَوِّيَاتِ مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ، وَهِيَ عِنْدَهُ نَادِرَةٌ أَوْ مَعْدُومَةٌ.
وَوَقَعَ فِي الشِّفَاءِ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَمْدَحُ بِكَثْرَةِ النِّكَاحِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرُّجُولِيَّةِ، إِلَى أَنْ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute