للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْهُ بِلَفْظِ: لَا تُزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَوَقَعَ لَنَا فِي فَوَائِدِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شُرَيْحٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ بِلَفْظِ: نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، أَوِ ابْنَةِ أُخْتِهَا، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الطَّرِيقَيْنِ مَحْفُوظَانِ، وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِنْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يُرْوَ مِنْ وَجْهٍ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَروى مِنْ وُجُوهٍ لَا يُثْبِتُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ كَمَا قَالَ، قَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَنَسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا اتَّفَقَا عَلَى إِثْبَاتِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، وَبَيَّنَ الِاخْتِلَافَ عَلَى الشَّعْبِيِّ فِيهِ، قَالَ: وَالْحُفَّاظُ يَرَوْنَ رِوَايَةَ عَاصِمٍ خَطَأً، وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ ابْنِ عَوْنٍ، وَدَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ اهـ.

وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَمْ يَقْدَحْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ أَشْهَرُ بِجَابِرٍ مِنْهُ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ بِشَرْطِ الصَّحِيحِ، أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ أَيْضًا مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلِكُلٍّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ مَا يُعَضِّدُهُ، وَقَوْلُ مَنْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُمْ تَضْعِيفَ حَدِيثِ جَابِرٍ مُعَارَضٌ بِتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا لَهُ، وَكَفَى بِتَخْرِيجِ الْبُخَارِيِّ لَهُ مَوْصُولًا قُوَّةً.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ - يَعْنِي مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ - وَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَحِّحْ حَدِيثَ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحَدِيثَانِ جَمِيعًا صَحِيحَانِ.

وَأَمَّا مَنْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَ هَذَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ: وَفِي الْبَابِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَلَا أَنَسًا، وَزَادَ بَدَلَهُمْ أَبَا مُوسَى، وَأَبَا أُمَامَةَ، وَسَمُرَةَ. وَوَقَعَ لِي أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمَنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَصَارَ عِدَّةُ مَنْ رَوَاهُ غَيْرَ الْأَوَّلِينَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَفْسًا، وَأَحَادِيثُهُمْ مَوْجُودَةٌ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَأَبِي يَعْلَى، وَالْبَزَّارِ، وَالطَّبَرَانِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَوْلَا خَشْيَةُ التَّطْوِيلِ لَأَوْرَدْتُهَا مُفَصَّلَةً، لَكِنْ فِي لَفْظِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ: نَهَى أَنْ تُزَوَّجَ الْمَرْأَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَقَالَ: إِنَّكُنَّ إِذَا فَعَلْتُنَّ ذَلِكَ قَطَعْتُنَّ أَرْحَامَكُنَّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ مَنْ ذُكِرَ هُوَ قَوْلُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنَ الْمُفْتِينَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وَلَا أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَسْتُ أَعْلَمُ فِي مَنْعِ ذَلِكَ اخْتِلَافًا الْيَوْمَ، وَإِنَّمَا قَالَ بِالْجَوَازِ فِرْقَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالسُّنَّةِ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لَمْ يَضُرَّهُ خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُ، وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَالْقُرْطُبِيُّ، وَالنَّوَوِيُّ، لَكِنِ اسْتَثْنَى ابْنُ حَزْمٍ، عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ، وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ، وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ، وَاسْتَثْنَى الْقُرْطُبِيُّ الْخَوَارِجَ وَلَفْظُهُ: اخْتَارَ الْخَوَارِجُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ اهـ.

وَفِي نَقْلِهِ عَنْهُمْ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ غَلَطٌ بَيِّنٌ؛ فَإِنَّ عُمْدَتَهُمُ التَّمَسُّكُ بِأَدِلَّةِ الْقُرْآنِ لَا يُخَالِفُونَهَا الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَرُدُّونَ الْأَحَادِيثَ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ الثِّقَةِ بِنَقَلَتِهَا، وَتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ.

وَنَقَلَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمُخَالِفَ.

قَوْلُهُ: (لَا يَجْمَعُ وَلَا يَنْكِحُ) كُلُّهُ فِي الرِّوَايَاتِ بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِ عَنِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ