أَنَّهُ وَقَعَ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ فِي لَفْظِ الزُّهْرِيِّ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ سَبَقَهُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ فِي النَّقْلِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصَبْغَ أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ النَّهْيَ زَمَنَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَكَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ خَيْبَرَ، ثُمَّ رَاجَعْتُ مُسْنَدَ الْحُمَيْدِيَّ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيِّ عَنْهُ فَقَالَ بَعْدَ سِيَاقِ الْحَدِيثِ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: يَعْنِي أَنَّهُ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ، وَلَا يَعْنِي نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ النَّاسِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِي أَنَّهُ ﷺ رَخَّصَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا، فَلَا يَتِمُّ احْتِجَاجُ عَلِيٍّ إِلَّا إِذَا وَقَعَ النَّهْيُ أَخِيرًا لِتَقُومَ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ: سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: مَعْنَى حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَسَكَتَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا يَوْمَ الْفَتْحِ اهـ.
وَالْحَامِلُ لِهَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا مَا ثَبَتَ مِنَ الرُّخْصَةِ فِيهَا بَعْدَ زَمَنِ خَيْبَرَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ، لَكِنْ يُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ تَبْلُغْهُ الرُّخْصَةُ فِيهَا يَوْمَ الْفَتْحِ؛ لِوُقُوعِ النَّهْيِ عَنْهَا عَنْ قُرْبٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَيُؤَيِّدُ ظَاهِرَ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمُتْعَةِ فَقَالَ: حَرَامٌ. فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ فِيهَا. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَمَا كُنَّا مُسَافِحِينَ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، فَأَغْرَبُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَالْمَشْهُورُ فِي تَحْرِيمِهَا أَنَّ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الرَّبِيعِ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ مِنَ الرُّوَاةِ كَانَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسَ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَنْ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ اهـ.
فَتَحَصَّلَ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ سِتَّةُ مَوَاطِنَ: خَيْبَرُ، ثُمَّ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، ثُمَّ الْفَتْحُ، ثُمَّ أَوَطَاسُ، ثُمَّ تَبُوكُ، ثُمَّ حَجَّةُ الْوَدَاعِ. وَبَقِيَ عَلَيْهِ حُنَيْنٌ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي رِوَايَةٍ قَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهَا قَبْلُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَهِلَ عَنْهَا أَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا لِخَطَأِ رُوَاتِهَا، أَوْ لِكَوْنِ غَزْوَةِ أَوْطَاسَ وَحُنَيْنٍ وَاحِدَةً. فَأَمَّا رِوَايَةِ تَبُوكَ فَأَخْرَجَهَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا نَزَلَ بِثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ رَأَى مَصَابِيحَ وَسَمِعَ نِسَاءً يَبْكِينَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نِسَاءٌ كَانُوا تَمَتَّعُوا مِنْهُنَّ. فَقَالَ: هَدَمَ الْمُتْعَةَ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْمِيرَاثُ، وَأَخْرَجَهُ الْحَازِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ حَتَّى إِذَا كُنَّا عِنْدَ الْعَقَبَةِ مِمَّا يَلِي الشَّامَ جَاءَتْ نِسْوَةٌ قَدْ كُنَّا تَمَتَّعْنَا بِهِنَّ يَطُفْنَ بِرِحَالِنَا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: فَغَضِبَ وَقَامَ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَنَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، فَتَوَادَعْنَا يَوْمَئِذٍ فَسُمِّيَتْ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَهُوَ الْبَصْرِيُّ فَأَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِهِ وَزَادَ: مَا كَانَتْ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُنْكَرَةٌ مِنْ رَاوِيهَا عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَهُوَ سَاقِطُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ عَنِ الْحَسَنِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ.
وَأَمَّا غَزْوَةُ الْفَتْحِ فَثَبَتَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَ: وَأَمَّا أَوْطَاسُ فَثَبَتَتْ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ. وَأَمَّا حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ أَوْطَاسَ وَالْفَتْحِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ كَانَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى أَوْطَاسَ فِي شَوَّالٍ، وَفِي سِيَاقِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ مَكَّةَ حَتَّى حَرُمَتْ، وَلَفْظَةُ: إِنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْفَتْحَ، فَأَذِنَ لَنَا فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي - فَذَكَرَ قِصَّةَ الْمَرْأَةِ، إِلَى أَنْ قَالَ - ثُمَّ اسْتَمْتَعْتُ مِنْهَا، فَلَمْ أَخْرُجْ حَتَّى حَرَّمَهَا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَائِمًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ وَهُوَ يَقُولُ: بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ، وَكَانَ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute