قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، وَكُنْتُ أَوْجَدَ عَلَيْهِ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟ قَالَ عُمَرُ: قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبِلْتُهَا.
٥١٢٣ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّكَ نَاكِحٌ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ فَقال رسول الله ﷺ: "أَعَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لَوْ لَمْ أَنْكِحْ أُمَّ سَلَمَةَ مَا حَلَّتْ لِي إِنَّ أَبَاهَا أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ"
قَوْلُهُ: (بَابُ عَرْضِ الْإِنْسَانِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ) أَوْرَدَ عَرْضَ الْبِنْتِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَعَرْضَ الْأُخْتِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (حِينَ تَأَيَّمَتْ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ صَارَتْ أَيِّمًا، وَهِيَ الَّتِي يَمُوتُ زَوْجُهَا، أَوْ تَبِينُ مِنْهُ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَأَكْثَرُ مَا تُطْلَقُ عَلَى مَنْ مَاتَ زَوْجُهَا. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْعَرَبُ تُطْلِقُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا، وَكُلِّ رَجُلٍ لَا امْرَأَةَ لَهُ أَيِّمًا، زَادَ فِي الْمَشَارِقِ وَإِنْ كَانَ بِكْرًا. وَسَيَأْتِي مَزِيدًا لِهَذَا فِي بَابِ لَا يُنْكِحُ الْأَبُ وَغَيْرُهُ الْبِكْرَ وَلَا الثَّيِّبَ إِلَّا بِرِضَاهَا.
قَوْلُهُ: (مِنْ خُنَيْسٍ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَنُونٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ.
قَوْلُهُ: (ابْنُ حُذَافَةَ) عِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: ابْنُ حُذَافَةَ أَوْ حُذَيْفَةَ، وَالصَّوَابُ حُذَافَةُ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَغَازِي. وَمِنَ الرُّوَاةِ مِنْ فَتَحَ أَوَّلَ خُنَيْسٍ وَكَسَرَ ثَانِيهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ بِالتَّصْغِيرِ، وَعِنْدَ مَعْمَرٍ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: اخْتُلِفَ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَرَوَى عَنْهُ عَلِيٌّ الصَّوَابَ، وَرَوَى عَنْهُ بِالشَّكِّ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ زَادَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ.
قَوْلُهُ: (فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ) قَالُوا: مَاتَ بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنْ جِرَاحَةٍ أَصَابَتْهُ بِهَا، وَقِيلَ: بَلْ بَعْدَ بَدْرٍ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ عِشْرِينَ شَهْرًا، وَكَانَتْ أُحُدٌ بَعْدَ بَدْرٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ عَلَى إِلْغَاءِ الْكَسْرِ، وَجَزَمَ ابْنُ سَعْدٍ بِأَنَّهُ مَاتَ عَقِبَ قُدُومِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ بَدْرٍ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ شَهِدَ أُحُدًا وَمَاتَ مِنْ جِرَاحَةٍ بِهَا، وَكَانَتْ حَفْصَةُ أَسَنَّ مِنْ أَخِيهَا عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهَا وُلِدَتْ قَبْلَ الْبِعْثَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَعَبْدُ اللَّهِ وُلِدَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ بِثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) أَعَادَ ذَلِكَ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ أَوَّلًا: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْدِيرٍ، قَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَأَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ.
قَوْلُهُ: (أَتَيْتُ عُثْمَانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ؟ فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي، إِلَى أَنْ قَالَ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ، وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالْحَاكِمُ: أَنَّ عُثْمَانَ خَطَبَ إِلَى عُمَرَ بِنْتَهُ فَرَدَّهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمَّا رَاحَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ: يَا عُمَرُ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٍ مِنْ عُثْمَانَ، وَأَدُلَّ عُثْمَانَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٍ مِنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. قَالَ: تُزَوِّجُنِي بِنْتَكَ وَأُزَوِّجُ عُثْمَانَ بِنْتِي.
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: إِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنْ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ عَرَضَ عَلَى عُثْمَانَ حَفْصَةَ فَرَدَّ عَلَيْهِ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ. قُلْتُ: أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ نَحْوَ حَدِيثِ رِبْعِيٍّ، وَمِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَتَمَّ مِنْهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: فَخَارَ اللَّهُ لَهُمَا جَمِيعًا. وَيَحْتَمِلُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ خَطَبَ أَوَّلًا إِلَى عُمَرَ فَرَدَّهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ