للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِكَوْنِ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ بِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ عَلَى غَيْرِ شَرْطِهِ، وَالْمَشْهُورُ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا بِلَفْظِهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، لَكِنْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ: وَأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ وَصَلَهُ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَرْسَلَهُ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ لَيْسَ فِيهِ أَبُو مُوسَى رِوَايَةٌ، وَمَنْ رَوَاهُ مَوْصُولًا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوهُ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ وَإِنْ كَانَا أَحْفَظَ وَأَثْبَتَ مِنْ جَمِيعِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ لَكِنَّهُمَا سَمِعَاهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.

ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَسْأَلُ أَبَا إِسْحَاقَ: أَسَمِعْتَ أَبَا بُرْدَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَإِسْرَائِيلُ ثَبَتَ فِي أَبِي إِسْحَاقَ.

ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: مَا فَاتَنِي الَّذِي فَاتَنِي مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِلَّا لِمَا اتَّكَلْتُ بِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي بِهِ أَتَمَّ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: إِسْرَائِيلُ فِي أَبِي إِسْحَاقَ أَثْبَتُ مِنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ. وَأَسْنَدَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَالذُّهْلِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا حَدِيثَ إِسْرَائِيلَ. وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْتُهُ عَرَفَ أَنَّ الَّذِينَ صَحَّحُوا وَصْلَهُ لَمْ يَسْتَنِدُوا فِي ذَلِكَ إِلَى كَوْنِهِ زِيَادَةَ ثِقَةٍ فَقَطْ، بَلْ لِلْقَرَائِنِ الْمَذْكُورَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَصَلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَسَأُشِيرُ إِلَى بَقِيَّةِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ. عَلَى أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ نَظَرًا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ: فَمَنْ قَدَّرَهُ نَفْيَ الصِّحَّةِ اسْتَقَامَ لَهُ، وَمَنْ قَدَّرَهُ نَفْيَ الْكَمَالِ عَكَّرَ عَلَيْهِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى تَأْيِيدِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ بِالْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ وَمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾؛ أَيْ لَا تَمْنَعُوهُنَّ. وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ مَعْقِلٍ آخِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ بَيَانُ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ مِنْهَا لِلتَّرْجَمَةِ.

قَوْلُهُ: (فَدَخَلَ فِيهِ الثَّيِّبُ وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ) ثَبَتَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَعَلَيْهِ شَرْحُ ابْنِ بَطَّالٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعُمُومِ لَفْظِ النِّسَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ: ﴿وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ مِنَ الْآيَةِ وَالَّتِي بَعْدَهَا أَنَّهُ تَعَالَى خَاطَبَ بِإِنْكَاحِ الرِّجَالِ وَلَمْ يُخَاطِبْ بِهِ النِّسَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تُنْكِحُوا أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ مَوْلَيَاتِكُمْ لِلْمُشْرِكِينَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ: ﴿وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ﴾، وَالْأَيَامَى: جَمْعُ أَيِّمٍ، وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ:

الْأَوَّلُ: حَدِيثُ عَائِشَةَ، ذَكَرَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، وَمِنْ طَرِيقِ عَنْبَسَةَ بْنِ خَالِدٍ جَمِيعًا عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، الزُّهْرِيِّ، وَقَوْلُهُ: وَقَالَ: يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ الْجُعْفِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى لَفْظِ عَنْبَسَةَ. وَأَمَّا لَفْظُ ابْنِ وَهْبٍ فَلَمْ أَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ إِلَى الْآنَ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَصْبَغَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَالْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.

قَوْلُهُ: (عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ) جَمْعُ نَحْوٍ؛ أَيْ ضَرْبٍ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَيُطْلَقُ النَّحْوُ أَيْضًا عَلَى الْجِهَةِ وَالنَّوْعِ، وَعَلَى الْعِلْمِ الْمَعْرُوفِ اصْطِلَاحًا.

قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةُ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَغَيْرُهُ: بَقِيَ عَلَيْهَا أَنْحَاءٌ لَمْ تَذْكُرْهَا: الْأَوَّلُ نِكَاحُ الْخِدْنِ، وَهُوَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ كَانُوا يَقُولُونَ: مَا اسْتَتَرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا ظَهَرَ فَهُوَ لَوْمٌ. الثَّانِي: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. الثَّالِثُ: نِكَاحُ الْبَدَلِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ الْبَدَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: انْزِلْ لِي عَنِ امْرَأَتِكَ وَأَنْزِلُ لَكَ عَنِ امْرَأَتِي وَأَزِيدُكَ وَلَكِنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا. قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ لَا يُرَدُّ لِأَنَّهَا أَرَادَتْ ذِكْرَ بَيَانِ نِكَاحِ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِي: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُرَدَّ؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ كَوْنُهُ مُقَدَّرًا بِوَقْتٍ