بِهِ)، فِي رِوَايَةِ الثَّعْلَبِيِّ: وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَيْ كَانَ جَيِّدًا. وَهَذَا مِمَّا غَيَّرَتْهُ الْعَامَّةُ فَكَنَّوْا بِهِ عَمَّنْ لَا خَيْرَ فِيهِ كَذَا قَالَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ عِنْدَ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ قَالَ الْحَسَنُ: عَلِمَ اللَّهُ حَاجَةَ الرَّجُلِ إِلَى امْرَأَتِهِ، وَحَاجَةَ الْمَرْأَةِ إِلَى زَوْجِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ هَذَا صَرِيحٌ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنُ ظَاهِرِ الْخِطَابِ فِي السِّيَاقِ لِلْأَزْوَاجِ حَيْثُ وَقَعَ فِيهَا: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي بَقِيَّتِهَا: ﴿أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعَضْلَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَوْلِيَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِيرِ بَيَانُ الْعَضْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْأَوْلِيَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ فَيُسْتَدَلُّ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ: الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ)؛ أَيْ أَعَادَهَا إِلَيْهِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ: فَقُلْتُ: الْآنَ أَقْبَلُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ مِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: فَسَمِعَ ذَلِكَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ فَقَالَ: سَمْعًا لِرَبِّي وَطَاعَةً، فَدَعَا زَوْجَهَا فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ. وَمِنْ رِوَايَةِ الثَّعْلَبِيِّ: فَإِنِّي أُومِنُ بِاللَّهِ فَأَنْكَحَهَا إِيَّاهُ، وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ فَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: ثُمَّ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَعَنِ السُّدِّيِّ: نَزَلَتْ فِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ زَوْجِ بِنْتِ عَمِّهِ، فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُهُ فَأَبَى جَابِرٌ، فَنَزَلَتْ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: اخْتَلَفُوا فِي الْوَلِيِّ فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ: الْأَوْلِيَاءُ فِي النِّكَاحِ هُمُ الْعَصَبَةُ، وَلَيْسَ لِلْخَالِ وَلَا وَالِدِ الْأُمِّ وَلَا الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ وَنَحْوِ هَؤُلَاءِ وِلَايَةٌ. وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ هُمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَاحْتَجَّ الْأَبْهَرِيُّ بِأَنَّ الَّذِي يَرِثُ الْوَلَاءَ هُمُ الْعَصَبَةُ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ: فَذَلِكَ عُقْدَةُ النِّكَاحِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا مَاتَ الْأَبُ فَأَوْصَى رَجُلًا عَلَى أَوْلَادِهِ هَلْ يَكُونُ أَوْلَى مِنَ الْوَلِيِّ الْقَرِيبِ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ أَوْ مِثْلِهِ، أَوْ لَا وِلَايَةَ لَهُ؟ فَقَالَ رَبِيعَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: الْوَصِيُّ أَوْلَى، وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ الْأَبَ لَوْ جَعَلَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ بِالْمَوْتِ فَلَا يُقَاسُ بِحَالِ الْحَيَاةِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى ذَلِكَ وَقَالُوا: لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا أَصْلًا، وَاحْتَجُّوا بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَمِنْ أَقْوَاهَا هَذَا السَّبَبُ الْمَذْكُورُ فِي نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ أَصَرْحُ دَلِيلٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِعَضْلِهِ مَعْنًى، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَى أَخِيهَا، وَمَنْ كَانَ أَمْرُهُ إِلَيْهِ لَا يُقَالُ: إِنَّ غَيْرَهُ مَنَعَهُ مِنْهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ غَيْرَ شَرِيفَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْوَلِيُّ أَصْلًا، وَيَجُوزُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا إِذَا تَزَوَّجَتْ كُفُؤًا، وَاحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّهَا تَسْتَقِلُّ بِهِ، وَحَمْلُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَخُصَّ بِهَذَا الْقِيَاس عُمُومُهَا، وَهُوَ عَمَلٌ سَائِغٌ فِي الْأُصُولِ، وَهُوَ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ، لَكِنَّ حَدِيثَ مَعْقِلٍ الْمَذْكُورَ رَفَعَ هَذَا الْقِيَاسِ، وَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لَيَنْدَفِعَ عَنْ مُولِيَتِهِ الْعَارُ بِاخْتِيَارِ الْكُفْءِ، وَانْفَصَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ بِالْتِزَامِهِمُ اشْتِرَاطَ الْوَلِيِّ، وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا، وَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ إِجَازَةَ الْوَلِيِّ كَمَا قَالُوا فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ نَحْوَهُ لَكِنْ قَالَ: يُشْتَرَطُ إِذْنُ الْوَلِيِّ لَهَا فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِذْنَ الْوَلِيِّ لَا يَصِحُّ إِلَّا لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَنُوبُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي إِنْكَاحِ نَفْسِهَا صَارَتْ كَمَنْ أُذِنَ لَهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهَا وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute