لِاشْتِرَاطِ رِضَا الْمُزَوَّجَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، لَكِنْ تُسْتَثْنَى الصَّغِيرَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهَا لَا عِبَارَةَ لَهَا.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ.
قَوْلُهُ: (لَا تُنْكِحُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ لِلنَّهْيِ، وَبِرَفْعِهَا لِلْخَبَرِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْمَنْعِ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْأَيِّمِ فِي بَابِ عَرْضِ الْإِنْسَانِ ابْنَتَهُ، وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَيِّمَ هِيَ الثَّيِّبُ الَّتِي فَارَقَتْ زَوْجَهَا بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ لِمُقَابَلَتِهَا بِالْبِكْرِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَيِّمِ، وَمِنْهُ قَوْلِهِمْ: الْغَزْوُ مَأْيَمَةٌ؛ أَيْ يَقْتُلُ الرِّجَالَ فَتَصِيرُ النِّسَاءُ أَيَامَى، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَصْلًا، وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الْقَوْلَيْنِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَالدَّارِمِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ: لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ الْمُنْذِرِ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تُسْتَأْمَرَ) أَصْلُ الِاسْتِئْمَارِ طَلَبُ الْأَمْرِ، فَالْمَعْنَى لَا يَعْقِدُ عَلَيْهَا حَتَّى يَطْلُبَ الْأَمْرَ مِنْهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: تُسْتَأْمَرُ أَنَّهُ لَا يَعْقِدُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَأْمُرَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي حَقِّهَا، بَلْ فِيهِ إِشْعَارٌ بِاشْتِرَاطِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ، فَعَبَّرَ لِلثَّيِّبِ بِالِاسْتِئْمَارِ وَلِلْبِكْرِ بِالِاسْتِئْذَانِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ الْمُشَاوَرَةِ، وَجَعْلِ الْأَمْرِ إِلَى الْمُسْتَأْمَرَةِ، وَلِهَذَا يَحْتَاجُ الْوَلِيُّ إِلَى صَرِيحِ إِذْنِهَا فِي الْعَقْدِ، فَإِذَا صَرَّحَتْ بِمَنْعِهِ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا وَالْبِكْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَالْإِذْنُ دَائِرٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالسُّكُوتِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ السُّكُوتَ إِذْنًا فِي حَقِّ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْتَحِي أَنْ تُفْصِحَ.
قَوْلُهُ: (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ) فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قُلْنَا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا هِيَ السَّائِلَةُ عَنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وكَيْفَ إِذْنُهَا) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: قُلْتُ إِنَّ الْبِكْرِ تَسْتَحِي وَسَتَأْتِي أَلْفَاظُهُ.
الحديث الثاني:
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ)؛ أَيِ ابْنُ قُرَّةَ الْهِلَالِيُّ أَبُو حَفْصٍ الْمِصْرِيُّ، وَأَصْلُهُ كُوفِيٌّ، سَمِعَ مِنْ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِمْ، رَوَى عَنْهُ الْقُدَمَاءُ مِثْلُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَإِسْحَاقُ الْكَوْسَجُ، وَأَبي عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ، وَهُوَ مِنْ قُدَمَاءِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ أَرَ لَهُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْبَأَنَا.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ذَكْوَانَ، وَسَيَأْتِي فِي تَرْكِ الْحِيَلِ، وَيَأْتِي فِي الْإِكْرَاهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: عَنْ أَبِي عَمْرٍو هُوَ ذَكْوَانُ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي) هَكَذَا أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ مُخْتَصَرًا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ، قُلْتُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَفِي الْإِكْرَاهِ بِلَفْظِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْجَارِيَةِ يَنْكِحُهَا أَهْلُهَا، أَتُسْتَأْمَرُ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ، تُسْتَأْمَرُ. قُلْتُ: فَإِنَّهَا تَسْتَحِي.
قَوْلُهُ: (قَالَ رِضَاهَا صَمْتُهَا) فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سُكَاتُهَا إِذْنُهَا وَفِي لَفْظٍ لَهُ: قَالَ: إِذْنُهَا صُمَاتُهَا، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَيْضًا قَالَ: فَذَلِكَ إِذْنُهَا إِذَا هِيَ سَكَتَتْ، وَدَلَّتْ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِيَةِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْبِكْرُ دُونَ الثَّيِّبِ. وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَفِي لَفْظٍ لَهُ: وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: