ادْعُ لِي رِجَالًا سَمَّاهُمْ، وَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ، قَالَ: فَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَنِي، فَرَجَعْتُ فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُ لَهُمْ: اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ، قَالَ: حَتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا، فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ وَبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: وَجَعَلْتُ أَغْتَمُّ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ نَحْوَ الْحُجُرَاتِ، وَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا، فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَإِنِّي لَفِي الْحُجْرَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: قَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ خَدَمَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ.
قَوْلُهُ (بَابُ الْهَدِيَّةِ لِلْعَرُوسِ) أَيْ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ بِأَهْلِهِ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) ابْنُ طَهْمَانَ (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَاسْمُهُ الْجَعْدُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَرَّ بِنَا فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ)، يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: (فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ) كَذَا فِيهِ، وَالْجَنَبَاتُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ جَمْعُ جَنَبَةٍ وَهِيَ النَّاحِيَةُ.
قَوْلُهُ (دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا) هَذَا الْقَدْرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَشَارَكَهُ فِي بَقِيَّتِهِ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمَعمَرُ بْنُ رَاشِدٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِمَا، وَلَمْ يَقَعْ لِي مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ إِلَّا أَنَّ بَعْضَ مَنْ لَقِينَاهُ مِنَ الشُّرَّاحِ زَعَمَ أَنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ بَعْدُ.
قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَرُوسًا بِزَيْنَبَ) يَعْنِي بِنْتَ جَحْشٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ آيَتِهِ ﷺ فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ وَاضِحًا فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ عِيَاضٌ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ الْوَلِيمَةَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ كَانَتْ مِنَ الْحَيْسِ الَّذِي أَهْدَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَيْهَا بِالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ، وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقِصَّةِ تَكْثِيرُ ذَلِكَ الطَّعَامَ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَشْبَعَ الْمُسْلِمِينَ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ أَنَسًا قَالَ: فَقَالَ لِي: ادْعُ رِجَالًا سَمَّاهُمْ وَادْعُ مَنْ لَقِيتَ، وَأَنَّهُ أَدْخَلَهُمْ وَوَضَعَ ﷺ يَدَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ وَتَكَلَّمَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً حَتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا، يَعْنِي تَفَرَّقُوا، قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ رَاوِيهِ وَتَرْكِيبُ قِصَّةٍ عَلَى أُخْرَى. وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَا وَهْمَ فِي ذَلِكَ، فَلَعَلَّ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَذَهَبُوا لَمْ يَرْجِعُوا، وَلَمَّا بَقِيَ النَّفَرُ الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ جَاءَ أَنَسٌ بِالْحَيْسَةِ، فَأُمِرَ بِأَنْ يَدْعُوَ نَاسًا آخَرِينَ وَمَنْ لَقِيَ فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا أَيْضًا حَتَّى شَبِعُوا، وَاسْتَمَرَّ أُولَئِكَ النَّفَرُ يَتَحَدَّثُونَ. وَهُوَ جَمْعٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ حُضُورَ الْحَيْسَةِ صَادَفَ حُضُورَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ، فَأَكَلُوا كُلُّهُمْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ.
وَعَجِبْتُ مِنْ إِنْكَارِ عِيَاضٍ وُقُوعَ تَكْثِيرِ الطَّعَامِ فِي قِصَّةِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ مَعَ أَنَّ أَنَسًا يَقُولُ إِنَّهُ أَوْلَمَ عَلَيْهَا بِشَاةٍ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَيَقُولُ إِنَّهُ أَشْبَعَ الْمُسْلِمِينَ خُبْزًا وَلَحْمًا. وَمَا الَّذِي يَكُونُ قَدْرَ الشَّاةِ حَتَّى يُشْبِعَ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا وَهُمْ يَوْمَئِذٍ نَحْوُ الْأَلْفِ لَوْلَا الْبَرَكَةُ الَّتِي حَصَلَتْ مِنْ جُمْلَةِ آيَاتِهِ ﷺ فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ. وَقَوْلُهُ فِيهِ: وَبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute