٥١٨٦ - " … وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ؛ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا.
٥١٨٧ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ هَيْبَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا شَيْءٌ فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا"
قَوْلُهُ (بَابُ الْوَصَاةِ بِالنِّسَاءِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَقْصُورٌ؛ وَهِيَ لُغَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْوِصَايَةُ. قَوْلُهُ (عَنْ مَيْسَرَةَ) هُوَ ابْنُ عَمَّارٍ الْأَشْجَعِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ الْأَشْجَعِيُّ سَلْمَانُ مَوْلَى عَزَّةَ بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ زَايٍ ثَقِيلَةٍ.
قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) الْحَدِيثَ، هُمَا حَدِيثَانِ يَأْتِي شَرْحُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فِي كِتَابِ الْأَدَبِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ شَيْخِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَلَمْ يَذْكُرِ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ، وَذَكَرَ بَدَلَهُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَإِذَا شَهِدَ امْرُؤٌ فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا أَحَادِيثُ كَانَتْ عِنْدَ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَرُبَّمَا جَمَعَ وَرُبَّمَا أَفْرَدَ، وَرُبَّمَا اسْتَوْعَبَ وَرُبَّمَا اقْتَصَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ مُقْتَصِرًا عَلَى الثَّانِي، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنِ ابْنِ يَعْلَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِالْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ، وَزَادَ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ قِرَى ضَيْفِهِ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ (فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَالْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ تُسَكَّنُ، وَكَأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَأِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ الْأَقْصَرِ الْأَيْسَرِ وَهُوَ نَائِمٌ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَعَزَاهُ لِلْفُقَهَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ فَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ النِّسَاءَ خُلِقْنَ مِنْ أَصْلٍ خُلِقَ مِنْ شَيْءٍ مُعْوَجٍّ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْحَدِيثَ الْمَاضِيَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَرْأَةِ بِالضِّلْعِ، بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا نُكْتَةُ التَّشْبِيهِ وَأَنَّهَا عَوْجَاءُ مِثْلُهُ لِكَوْنِ أَصْلِهَا مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ.
قَوْلُهُ (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ) ذَكَرَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الْكَسْرِ، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَمْرُهَا أَظْهَرُ فِي الْجِهَةِ الْعُلْيَا، أَوْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ أَعْوَجِ أَجْزَاءِ الضِّلْعِ مُبَالَغَةً فِي إِثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَةِ لَهُنَّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِأَعْلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ أَعْلَاهَا رَأْسُهَا، وَفِيهِ لِسَانُهَا وَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ الْأَذَى، وَاسْتَعْمَلَ أَعْوَجَ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعُيُوبِ لِأَنَّهُ أَفْعَلَ لِلصِّفَةِ وَأَنَّهُ شَاذٌّ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الِالْتِبَاسِ بِالصِّفَةِ فَإِذَا تَمَيَّزَ عَنْهُ بِالْقَرِينَةِ جَازَ الْبِنَاءُ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ) الضَّمِيرُ لِلضِّلْعِ لَا لِأَعْلَى الضِّلْعِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهُ إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا وَالضَّمِيرُ أَيْضًا لِلضِّلْعِ وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَسْرِهِ الطَّلَاقَ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُقِمْهُ، وَقَوْلُهُ فَاسْتَوْصُوا أَيْ أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بِهَا، قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ. وَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الِاسْتِيصَاءَ اسْتِفْعَالٌ، وَظَاهِرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute