مُصْعَبٍ وَالدَّرَاوَرْدِيِّ عِنْدَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الَمْدِينَةِ عَنْ عُرْوَةَ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَيْضًا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، وَقَدْ قَدَّمْتُ ذِكْرَ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، كَذَلِكَ قَالَ عِيَاضٌ، وَكَذَا ظِاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ؛ فَإِنَّ أَوَّلَهُ عِنْدَهُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ حَدِيثَ أُمِّ زَرْعٍ، قَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ أَنْشَأَ هُوَ عُرْوَةُ فَلَا يَكُونُ مَرْفُوعًا. وَأَخَذَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ فَجَزَمَ بِهِ وَزَعَمَ أَنَّ مَا عَدَاهُ وَهَمٌ، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ ثُمَّ أَنْشَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَدِّثُ، وَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا، وَلَفْظُهُ: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ، ثُمَّ أَنْشَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَدِّثُ، فَانْتَفَى الِاحْتِمَالُ.
وَيُقَوِّي رَفْعَ جَمِيعِهِ أَنَّ التَّشْبِيهَ الْمُتَّفَقَ عَلَى رَفْعِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ سَمِعَ الْقِصَّةَ وَعَرَفَهَا فَأَقَرَّهَا فَيَكُونُ كُلُّهُ مَرْفُوعًا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْخَطِيبِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ النُّقَّادِ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْبَاقِيَ مَوْقُوفٌ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ هُوَ أَنَّ الَّذِي تَلَفَّظَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا سَمِعَ الْقِصَّةَ مِنْ عَائِشَةَ هُوَ التَّشْبِيهُ فَقَطْ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ حُكْمًا، وَيَكُونُ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ فَنَسَبَ قَصَّ الْقِصَّةِ مِنِ ابْتِدَائِهَا إِلَى انْتِهَائِهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَاهِمًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
قَوْلُهُ: (جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ التِّينِ: التَّقْدِيرُ جَلَسَ جَمَاعَةٌ إِحْدَى عَشْرَةَ وَهُوَ مِثْلُ: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ وفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ جَلَسَتْ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي مُسْلِمٍ جَلَسْنَ بِالنُّونِ، وفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ اجْتَمَعَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ اجْتَمَعَتْ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى اجْتَمَعْنَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: زِيَادَةُ النُّونِ عَلَى لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، وَقَدْ أَثْبَتَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاسْتَشْهَدُوا لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ﴾ وَحَدِيثِ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
بِحَوْرَانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهُ
وَقَوْلِهِ:
يُلُومُونَنِي فِي اشْتِرَاءِ النَّخِي … لِ قَوْمِي فَكُلُّهُمْ يَعْذِلُ
وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُ النُّحَاةِ رَدَّ هَذِهِ اللُّغَةِ إِلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ أَنْ لَا يُلْحَقَ عَلَامَةُ الْجَمْعِ وَلَا التَّثْنِيَةِ وَلَا التَّأْنِيثِ فِي الْفِعْلِ إِذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَخَرَّجَ لَهَا وُجُوهًا وَتَقْدِيرَاتٍ فِي غَالِبِهَا نَظَرٌ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا نَقْلًا وَصِحَّتِهَا اسْتِعْمَالًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: الْأَشْهَرُ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْفِعْلِ مَعَ الْجَمْعِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: حُذِفَ اكْتِفَاءً بِمَا ظَهَرَ، تَقُولُ مَثَلًا: قَامَ قَوْمُكَ فَلَوْ تَقَدَّمَ الِاسْمُ لَمْ يُحْذَفْ فَتَقُولُ قَوْمُكَ قَامَ بَلْ قَامُوا، وَمِمَّا يُوَجِّهُ مَا وَقَعَ هُنَا أَنْ يَكُونَ إِحْدَى عَشْرَةَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي اجْتَمَعْنَ، وَالنُّونُ عَلَى هَذَا ضَمِيرٌ لَا حَرْفٌ عَلَامَةٌ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ هُنَّ؟ فَقِيلَ: إِحْدَى عَشْرَةَ، أَوْ بِإِضْمَارِ أَعْنِي، وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إِحْدَى عَشْرَةَ نِسْوَةً، قَالَ: فَإِنْ كَانَ بِالنَّصْبِ احْتَاجَ إِلَى إِضْمَارِ أَعْنِي أَوْ بِالرَّفْعِ فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا﴾ قَالَ الْفَارِسِيُّ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَطَّعْنَاهُمْ وَلَيْسَ بِتَمْيِيزٍ اهـ. وَقَدْ جَوَّزَ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ تَمْيِيزًا بِتَأْوِيلٍ يَطُولُ شَرْحُهُ. وَوَقَعَ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَخَرَتُ بِمَالِ أَبِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ أَلْفَ أَلْفِ أُوقِيَّةٍ - وَفِيهِ -، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اسْكُتِي يَا عَائِشَةُ؛ فَإِنِّي كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ.
وَوَقَعَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ حِبَّانَ بِسَنَدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute